| جورج علم |
أنّ ذهب رئيس الجمهوريّة جوزاف عون، وأينما توجّه، تلاحقه الأسئلة الصعبة: ماذا عن “حزب الله”؟ متى حصريّة السلاح؟ متى تعود أموال الناس إلى أصحابها؟ متى تنطلق مسيرة الإصلاحات؟ ..متى.. ومتى؟…
إنه يخضع لإمتحان ضاغط، وممنوع عليه الغلط. وعليه أن ينجح، لأن السقوط يعني سقوط الوطن، وربما الرهان الأخير على نهوضه.
ويتصرّف لغاية الآن من موقع المبادر المدرك، لا يبخل بإجابة، ولا يغدق وعوداً أكبر من الطاقات والإمكانات، بل يراعي الواقع، ودقّة الظرف، وحساسيّة التوزنات، وعامل الإستقرار الذي يطفو على أرض رخوة، في ظل بيئة مخفوقة بتجاذبات سياسيّة طفيليّة، تستمد قوّتها من إعتبارات طائفيّة، ومذهبيّة، وفئويّة، ومناطقية طاغية.
حتى الآن، يمكن القول إن المؤشرات واعدة، وبصيص الأمل يزداد توهّجاً، وطائرة المسار الدبلوماسي شغّالة، قد لا تكون من النوع النفّاث الذي يملكه العدو، ويستخدمه في تدمير الجنوب، وإبادة أطفال غزّة، وحرق مرافىء الحديدة، لكنها تحلّق في أجواء المصداقيّة الدوليّة، والقانون الدولي، وشرعة الأمم المتحدة، وضوابط النظام العالمي، هدفها إحقاق الحق، وإسترجاع السيادة كاملة، والإنطلاق بزخم أكبر لتنفيذ ما جاء في خطاب القسم، ونشر واحات السلام، بديلاً عن أطلال الركام.
تحطّ الطائرة الدبلوماسيّة في أرض الكنانة، مصر، حاضنة العرب، وجامعتهم، والعضو الفاعل ضمن مجموعة الخماسيّة العربيّة – الدوليّة، التي لعبت ـ ولا تزال ـ دور الرافعة التي نقلت لبنان من ضفّة الفراغ، إلى ضفّة إعادة بناء المؤسسات.
إنها تستكمل الجولة، وتكمل المسار. إنطلقت من الرياض، إلى باريس، إلى الدوحة، فالإمارات، والكويت، والفاتيكان، إلى نخيل النيل… وخرقت جدار الصمت، وجدار العزلة، وجدار اللامبالاة.
والمشرفون على المسار، من “الخماسيّة” إلى دول شقيقة وصديقة، يمنحون صاحب الإمتياز شهادات دعم، كونه نجح في إعادة لبنان إلى الحضن العربيّ، وعودة العرب إلى الشرفة اللبنانيّة المطلّة على بوادر الإستقرار والإزدهار.
ونجح في نشر لغة العقل، ولجم لغة الغرائز، والمجاهرة بالحقيقة، إذ ليس بالكلام العابر قوله “إن حزب الله ليس أمامه خيار إلاّ القبول بمفهوم الدولة، ومن حقّه المشاركة السياسيّة”.
ونجح في وضع العدو الإسرائيلي في قفص الإتهام. لقد سمع الرئيس الأميركي دونالد ترامب كلاماً مباشراً، وواضحاً، سواء في الرياض، أو في الدوحة، أو في أبو ظبي، عن الإنتهاكات الإسرائيليّة التي تمنع إنطلاق مسار قيام الدولة في لبنان كما يجب. وهو كلام ردّده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، سواء في القمّة العربيّة في بغداد، أو على مسامع الرئيس عون في القاهرة عندما أكد “رفض مصر القاطع لإنتهاكات إسرائيل المتكرّرة ضد الأراضي اللبنانية، وكذلك إحتلال أجزاء منها.
ومواصلة مساعي القاهرة المكثّفة، وإتصالاتها مع مختلف الأطراف الإقليميّة والدوليّة لدفع إسرائيل نحو إنسحاب فوري غير مشروط من كامل الأراضي اللبنانية، وإحترام إتفاق وقف الأعمال العدائيّة، والتنفيذ الكامل، والمتزامن، لقرار مجلس الأمن رقم 1701، دون إنتقائيّة، بما يضمن تمكين الدولة اللبنانيّة من بسط سيادتها على أراضيها، وتعزيز دور الجيش اللبناني في فرض نفوذه جنوب الليطاني”.
قد يقول قائل إن هذا لا يكفي، وماذا بمقدور مصر، وغيرها من دول شقيقة، أو صديقة، أن تفعل أكثر من دعم المسار الدبلوماسي اللبناني، ومدّه بالمقويات، كي يستطيع أن يحقّق السيادة الوطنيّة، ويعيد بناء الدولة والمؤسسات؟
ويأتي الجواب عبر الإعلام الأميركي المتماهي مع خيارات “إسرائيل” التوسعيّة، خصوصاً لجهة إعترافه بأن المملكة العربيّة السعوديّة قادرة، وكذلك سائر دول مجلس التعاون الخليجي. وإن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الذي أقنع الرئيس ترامب بضرورة رفع العقوبات عن سوريا، قد أقنعه أيضاً بإعادة النظر في الإنتهاكات المتمادية للسيادة اللبنانيّة، والتي تحول دون إنطلاقة مسيرة النهوض والتعافي بالزخم المطلوب.
وتبدو المؤشرات واعدة، إستناداً إلى ما تتداوله بعثات دبلوماسيّة أوروبيّة في مجالسها، عن خطاب أميركي جديد قيد الإعداد تجاه لبنان، إنطلاقاً من الإنطباعات التي عاد بها ترامب من جولته الخليجيّة. وهناك توقع برفع مستوى الإهتمام الأميركي بالملف اللبناني، وحديث عن إمكانية تعيين موفد أميركي جديد، أرفع رتبة من السيدة أورتاغوس، ليجري في بيروت محادثات جديّة حول أفكار أميركيّة يفترض أن تأخذ طريقها نحو التنفيذ على أرض الواقع، إن لجهة إقفال ملف السلاح اللاشرعي، وحصره بمرجعيّة الدولة، ومؤسساتها المتخصّصة، أو لجهة الإلتزام بتطبيق إتفاق وقف إطلاق النار، والمباشرة بوضع مندرجات القرار 1701 موضع التنفيذ.
إن طائرة الخيار الدبلوماسي التي يتنقل على متنها الرئيس عون من عاصمة دولة شقيقة، إلى عاصمة دولة صديقة، بدأت تلحق أضراراً سياسيّة ومعنويّة بالغة بما تحاوله الطائرة الإسرائيلية الجانية من تدمير لأسس الحقوق، ومبادىء العدالة، التي يستند إليها النظام العالمي، والإنتظام الدولي.
قالها الرئيس عون صريحة: “إن الإستقرار الثابت لا يقوم إلاّ على سلام دائم.. وأنا أؤكد بأن لبنان لا يمكنه أن يكون خارج المعادلة”.
ويبقى القول إن الإمتحان صعب، والأسئلة مروّسة، لكن المؤشرات واعدة، وعلى من في الداخل أن يلتحق بقطار “المناخ الجديد” قبل فوات الأوان…