| غاصب المختار |
بينما ينشغل العالم والإقليم بقضايا كبرى تعيد ترتيب أوضاع وخرائط الشرق الأوسط تحت النار، من لبنان إلى غزة فاليمن وأحياناً سوريا، ينشغل لبنان بترتيب أوضاعه الداخلية الإجرائية، كإستكمال ملفات الإصلاح والتعيينات والإنتخابات البلدية والإختيارية، ويكرر مسؤولوه يومياً معزوفة “بسط سيادة الدولة على كامل أراضيها” و”جمع السلاح غير الشرعي”، بينما هم باتوا يتعايشون يومياً مع إملاءات الغرب السياسية والأمنية والاقتصادية والمالية، ومع اعتداءات كيان العدو الإسرائيلي الجوية والبرية اليومية على مدن لبنان وقراه، وكأنه استسلام العاجز أمام هذه الإملاءات، وانحناء لدول الوصاية الجديدة بعد انتهاء الوصاية السورية القديمة، والتي يتم الحديث عن استبدالها بوصاية سورية جديدة لاحقاً مع أحمد الشرع (الجولاني).
ولا بد من التوقف ملياً عند كلام نائبة الموفد الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس قبل أيام قليلة عن أنه “يمكن للبنان أن يتعلم درساً من الرئيس السوري أحمد الشرع، وكيف عمل مع السعودية للتحدث مع الرئيس ترامب وفريقنا حول فوائد رفع العقوبات، وخاصة المتعلقة بقانون قيصر، من أجل السماح بالاستثمار”، كاشفة عن أن الشرع “كان ليِّناً كثيراً، وأعطيناه قائمة بالأشياء التي نريده أن يقوم بها، خاصة حماية الأقليات بالشرق الأوسط، وإشراكهم بحكم سوريا”، مضيفة أن “دول الخليج والولايات المتحدة واضحة مع لبنان بأن الطريق إلى السلام والإزدهار هو عبر نزع سلاح الحزب، ليس فقط جنوب الليطاني بل من البلد كله”.
وبين لائحة المطالب الأميركية من الشرع، ولائحة المطالب من لبنان، يتضح أن الهدف واحد، وهو الإلتحاق بركب السلام الآتي على بساط أميركي عبر الخليج العربي وسوريا الجديدة، وتلبية كل متطلباته السياسية والأمنية والاقتصادية، بحيث تصبح المنطقة العربية كلها منطقة اقتصادية خالصة لشركة الرئيس ترامب الإقتصادية الإقليمية، ومنطقة منزوعة عناصر القوة والمواجهة بوجه الاحتلال الاسرائيلي. والأنكى أن أورتاغوس ربطت أي دعم للبنان مستقبلاً لتنشيط اقتصاده وإعادة الاعمار، بالتماهي مع ما ستقوم به سوريا، وبالأخص التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، بعد الكلام الأميركي عن تجاوب الشرع مع هذا المطلب بعد لقائه مع ترامب في السعودية. عدا عن دفعه إلى عقد اتفاقات جديدة مع سوريا حول مسائل الحدود البرية والتبادل الاقتصادي والتجاري والتنسيق الأمني، في وقت يصل الدعم الغربي الواسع للسلطة السورية الجديدة ويتم حجبه عن السلطة اللبنانية.
ولا تستعمل الإدارة الأميركية لتحقيق مطالبها من لبنان وسوريا سوى العصا الاسرائيلية الغليظة، والتهديدات، المبطّنة تارة والعلنية تارة أخرى، بمواصلة العدوان الإسرائيلي، وتركه يقوم بقتل كل أسباب الحياة في جنوب لبنان وجنوب سوريا، علّ البلدين يخضعان للمطالب الأميركية، وهي بجوهرها اسرائيلية.
هذا التماهي اللبناني مع سوريا المطلوب أميركياً، وبعد التماهي العربي شبه التام مع الإدارة الأميركية، يجعل لبنان الحلقة الأضعف في مواجهة محاولات فرض إجراءات سياسية وأمنية لا مصلحة له فيها كلها، “فلا خيلَ عنده يهديها ولا مالُ” إلى ترامب، كما فعلت دول عربية، ولا قوة عسكرية ذاتية تحميه، ولا قدرة استثمارية لديه لمبادلتها مع استثمارات أميركية. لذلك يكتفي لبنان بالقول حسب الشطر الثاني من بيت الشعر للمتنبي “فليسعف النطقُ إن لم يُسعِف الحالُ”، بمعنى أن يكتفي لبنان بالشكوى والتظلّم وإستجداء الدعم الاقتصادي والحماية الأمنية بوجه العدوان الإسرائيلي.