| رندلى جبور |
ذاكرة المسيحيين العراقيين مسكونة بـ”داعش”، وكل الفظائع التي ارتكبها هذا التنظيم بين الأعوام 2013 2018.
بصمته الإجرامية حاضرة أينما كان. لقد أزال الصلبان، ودمّر الكنائس، واحتلّ الأرض، وهجّر الناس…
بغداد والموصل، والكثير من مناطق سهل نينوى، بين شهيدة وشاهدة.
ومع ذلك هي تحاول لملمة ذاتها.
يسعى المسيحيون هنا، وخصوصاً السريان والكلدان والأشوريون، أن يقولوا رغم مصابهم أنهم موجودون ويستمرون.
صحيح أنه غادر الكثيرون وتوزعوا بين لبنان وأوستراليا والسويد وغيرها من البلدان، وانخفضت النسبة إلى ما دون النصف ممن كانوا يعيشون بأمان في قراهم وبلداتهم قبل الاجتياح “الداعشي” البربري، إلا أنهم يعيدون الإعمار.
وفي جولة على عشرات الكنائس، ترى ورش الترميم. منها ما انتهى ومحا آثار الوحشية ومنها ما زال جارياً، ومنها يبقى ركاماً ودماراً.
وفي مطرانية الموصل للسريان الكاثوليك تسمع كلاماً من طراز: “نسعى لإعمار الكنائس ولو أن الناس غائبون”.
فتسأل بتعجب: “ما قيمة الحجر بلا البشر؟!”.
ويأتي الجواب على شكل أنّ عودة الناس مسألة سياسية كما كان تهجيرهم سياسياً هو أيضاً، وأنه إذا كانت الدولة مسؤولة عن العودة، فإن الكنيسة مؤتمنة على إرث حضاري لا يمكن التخلي عنه، والكنيسة الحجر تبقى دليلاً على الوجود وعلى عمق الحضارة المسيحية في هذه الأرض المشرقية.
هنا يتظهّر المنطلق الإيماني التالي: الله خلق الكون، وبعدما فرغ من تكوينه خلق الإنسان، وبالتالي فإن تحضير المكان لا يقل أهمية عن الإتيان بالإنسان.
ويبقى الرجاء أن يأتي هذا الإنسان العراقي من جديد إلى موطنه الأصلي، إلى جذوره التي حاول الشر اقتلاعها. ونحتاج إلى نضال كثير مقرون بالإرادة، وبالأمل بأنّ من اتكل يوماً على حبّة خردل أو على بضعة أرغفة، أو على خميرة أو رشة ملح، يمكنه بها اليوم أيضاً أن يصنع المعجزات. وليكن النضال اليوم اليوم وليس غداً.
هو نضال تحمله مركزيات مسيحيي المشرق، في العراق ولبنان ومصر وفلسطين ورابطتها في الأردن وصخرتها في سوريا، متّكلة على جيل جديد جمعت منه هذه المركزيات والروابط بالتعاون مع منظمة “حمورابي” و”جمعية التضامن المسيحية الدولية”، شابات وشباناً من العراق ولبنان والاردن وسوريا في ناحية نمرود وتحديداً في دير مار بهنام وسارة، بمخيم يُراد منه أن يكون البداية عند خاتمته.. والبداية تبدو واعدة…