/ هبة علّام /
عشيّة الاستحقاق الانتخابي الذي ينتظر نتائجه اللبنانيون، لتتضح صورة مصيرهم وما ينتظرهم على مستوى إدارة البلد وشؤونهم، فإن العين على الشارع السنيّ تحديداً، حيث يترقّب الجميع خياره، سواء لجهة المقاطعة مع بعض المشاركة الخجولة استجابه لزعيمهم الرئيس الأسبق سعد الحريري، أم ممارسة هذا الحق الديمقراطي مهما كان التكليف السياسيّ.
حتى الآن، يبدو أن المزاج الانتخابيّ لدى شريحة واسعة من السنّة يتّجه إلى المقاطعة، لا بل تتوسّع مروحة هذا الخيار كلما اقتربت ساعات الحسم، وقد شكّلت انتخابات المغتربين “بروفا”، حيث شهدت مقاطعة سنية ملحوظة، لا بل فاقعة في بعض دول الانتشار. ويبدو أنه كلما زادت السعودية الضغط باتجاه حثّ السنّة على الاقتراع، من خلال الإعلام أو عبر شخصيات سنيّة وازنة، كلما ازداد تمسّكهم بخيار الحريري.
إضافة إلى ذلك، فإن احتمال المقاطعة بات وارداً أكثر، لأن هذا الخيار أقل كلفة وجهداً بالنسبة لتيار “المستقبل” في هذه الظروف التي يمرّ بها البلد، أمّا الحثّ على الاقتراع فيحتاج إلى مجهود أكبر لإقناع المواطنين.
غداً، إذا استجاب الشارع السنيّ، بأكثريته، أو جمهور “المستقبل” تحديداً، لقرار الرئيس الحريري، وقاطع الانتخابات، فسيكون الأخير أمام جملة انتصارات ومكاسب على الصعيد السياسي، سواء داخل بيت “المستقبل”، أو في السلطة، أو حتى على مستوى المعادلة السياسية الداخلية، وكذلك على المستوى العربي والدولي، بحسب أوساط متابعة. فما هي هذه المكاسب؟
أولاً، ستكون نتيجة هذه الاستجابة، رسالة من الحريري إلى الجميع بأنّه أمر واقع في الطائفة السنيّة لا يمكن تجاوزه، وبالتالي فإن السعودية الراغبة بالعودة إلى الساحة اللبنانية سياسياً، ستُضطر للتعامل معه مجدداً، وهذا يُعدّ انتصاراً كبيراً له.
ثانياً، سيؤدي ذلك إلى ضرب خصومه، سواء من خرجوا من تيار “المستقبل” وخالفوا قراره أو حزب “القوات اللبنانية”، حيث ستكون ضربات انتخابية إلى جانب كونها سياسية، لاسيما وأن هؤلاء يعتمدون بصورة كبيرة في كثير من الدوائر الانتخابية على الأصوات السنيّة.
ثالثاً، سيكرّس نفسه الوريث الثابت لإرث الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبالتالي لا يستطيع أحد منافسته أو وراثته في تيار “المستقبل”، ويُظهر أن كل حركات التمايز التي حصلت خلال الفترة الماضية داخل “التيار”، ما هي إلا فقّاعات.
رابعاً، يكون الحريري قد حجز لنفسه مكاناً على الطاولة بين الزعماء خلال المرحلة المقبلة، إذا فُتح الحوار حول تحديد مصير لبنان من خلال إدارة جديدة للبلد، عبر نظام جديد أو تعديل للنظام الحالي أو حتى تسوية، على اعتبار أن لا زعيم آخر بحجمه داخل الطائفة السنيّة يستطيع الجلوس على الطاولة كطرف مؤثّر بمواجهة ممثلي باقي الطوائف.
خامساً، سيكون من الصعب تشكيل أي حكومة من دون التعامل معه، أو تسميته شخصياً ليرأس الحكومة، ولو كان لا يمتلك كتلة نيابيّة.
بذلك يكون الحريري قد ثبّت معادلة قدرته على التحكّم بمزاج الشارع السنيّ وتزعمّه له، على الرغم من التنوّع الموجود، في الوقت الذي لم تتمكّن فيه السعودية من التأثير في هذا الشارع لكسر خياره وقراره، وهي التي بذلت كل جهد ووسيلة لفعل ذلك.
اضطر الحريري إلى المواجهة، بالرغم من كل تلك الكلمات المنمّقة باتجاه السعودية والتي تتصدّر تصريحاته، لأنه بطبيعة الحال لن ينهي نفسه سياسياً، ولن يبعد وجوده عن المرحلة السياسية المقبلة.
في حال نجحت المقاطعة، فإن سعد الحريري سيعود أقوى مما كان عليه.