السبت, ديسمبر 6, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSliderلا مركزية من دون اللامركزية

لا مركزية من دون اللامركزية

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| محمد محمود شحادة |

تعددت وجهات النظر والأحاديث الإعلامية في الآونة الأخيرة، حول طرح اللامركزية الإدارية و اللامركزية الموسعة واللامركزية المالية وغيرها من المفاهيم التي تدور حول عنوان واحد “مشروع اللامركزية” ذلك في ظل دخول البلاد مرحلة الانتخابات البلدية والاختيارية بعد تأجيل ثلاث سنوات بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، فقد شكل انتخاب رئيس الجمهورية وتشكيل الحكومة الجديدة والتزامهما بتطبيق الدستور والقوانين الإصلاحية انطلاقة جديدة للبلاد، وجاءت الانتخابات البلدية عاملاً اضافياً للانطلاقة كضرورية لقوة و جدية العهد الجديد، لذا حددت الحكومة استيفاء الاستحقاق الانتخابي البلدي والمختري في شهر أيار الحالي.

عاد النقاش حول مفهوم اللامركزية الى الواجهة من جديد، مع العلم أن المجلس النيابي قد اعد في لجنة الإدارة والعدل متمثلة من كافة المكونات السياسية في البرلمان طيلة 16 عاماً مشروع القانون من 76 بنداً واصبح قيد الانتهاء لطرحه على الهيئة العامة للمجلس النيابي، الا ان اغلب هذه المكونات لا زالت ترى في طرح الموضوع مصدراً للقلق السياسي والإداري في ظل ما تسميه هواجس طائفية ومناطقية غير واضحة.

في الوقت الذي يتحدث فيه اغلب المكونات السياسية في لبنان عن الحصرية والمركزية في الإدارة العامة بشكل إيجابي، من باب ان الدولة هي المرجعية الوحيدة في الإدارة والسياسة و يوجّهون الانتقادات على عبارة اللاحصرية واللامركزية، وكأن هناك فصل في المفهوم لجعلهما مفهومان مختلفان ومتناقضان في وقت ان العبارتين هما عبارتان لمفهوم واحد يمكن تسميته بإدارة الشأن العام بالتناسق مركزياً ولا مركزياً، أي أن العبارتين هما لمفهوم واحد ولا وجود لاحدهما من دون الاخر، فالمركزية ليس لها مكانة عملية في حال عدم وجود لا مركزيات تنطوي في ظلها، و اللامركزية ليس لها حماية وضمانة ووجود بدون وجود سلطة مركزية تنتمي اليها، وذلك باعتبار منطقي ان الأجزاء تكون الكل فالجزء ليس موجوداً بعبارة جزء من دون ان يكون هناك كلاً ينتمي اليه، والأجزاء لا تكون اسمها أجزاء من دون أن يكون هناك كُلاً تشكله، فمن أين يأتي التفريق بين الجزء والكل؟ أي بين المركزية واللامركزية في لبنان، في وقت الأول اباً للثاني والثاني مولوداً من الأول فلا يسمى الاب اباً ان لم يلد أبناء فالحقيقة لا وجود لمركزية من دون وجود للامركزية، هذا يعني اننا هنا أمام مفهوم واحد لعبارتين، ووجهين لعملة واحدة.

ولكن لماذا يطغى التفريق بين العبارتين وجعلهما مفهومان مختلفان و متناقضان في الإدارة، الحقيقة ان اغلب اللبنانيين الذين يطرحون هكذا اختلاف بسبب هواجس هم انفسهم لا يعرفونها، ولكن اذا أردنا تصحيح الانتقاد لاحدى العبارتين في ظل اعتبارهما مفهوماً واحداً يمكنهم القول ان الخلاف على توسيع الصلاحيات في الإدارات المحلية أي اللامركزيات الإدارية مقابل الصلاحيات المناطة بالإدارة العامة المركزية.

السؤال اليوم ليس من مع المركزية ومن مع اللامركزية، فمن مع المركزية هو مع اللامركزية حكماً، ومن مع اللامركزية هو اعترف حكماً بوجود المركزية، ولكن السؤال من مع إعطاء الصلاحيات المحقة للادارات المحلية في البدات والأقضية وما حدود هذه الصلاحيات، ومن مع حصر صلاحيات معينة بيد الدولة المركزية أي الحكومة.
لا شك ان المشرِّع السياسي الإداري لنظام اللامركزية الإدارية قد اخذ بعين الاعبار أن هناك صلاحيات يجب أن تبقى محصورة بالإدارة اللامركزية، فوزارة المالية مثلاً لديها مهمة شهرية وهي دفع رواتب القطاع العام لذا يجب على الإدارة المركزية ان تحصر بعض الضرائب على القطاع الخاص مثل ضريبة الرواتب والأجور ( R10) بيدها لضمان تأمين رواتب الموظفين العموميين الذين يديرون الشؤون العامة للمواطنين، وصلاحيات لضرائب ورسوم أخرى مثل رسوم الأبنية و الحراسة والكناسة و المحلات التجارية تعطى للبلديات كي تتمكن من إدارة ذاتها وانماء مناطقها المحلية.

رغم أن لبنان يعمل بهذا النظام، الا انه غير موسع وغير مكتمل، فعلى سبيل المثال لا يوجد حتى الآن هيئة قضاء محلية مع العلم بوجود قائم مقام للقضاء ومحافظ للمحافظة، ولكن كلاهما لا يأتيان من الانتخابات اللامركزية بل يعينان من الحكومة المركزية، لذلك تم انشاء شيء رديف لذلك اسمة اتحاد البلديات ومع ذلك ليس لهذا الاتحاد صلاحيات اللامركزية الحقيقة في القضاء أو المحافظة، بل يكتفي بالتنسيق بين البلديات على المشاريع الإنمائية و التخطيط لما هو يعني مجموع البلديات التي تشكله ليس اكثر، والقائم مقام والمحافظ يشكلان رقابة مركزية على الهيئات المركزية مع بعض الصلاحيات في إعطاء تراخيص اكبر من صلاحيات البلدية.

الرقابة المركزية مطلوبة كمندوب حكومي يراقب التزام البلديات بحدود صلاحياتها، ولكن الرقابة الحقيقية والفعالة هي للمواطنين المتلاصقين بجوار بلديتهم والذين يحاسبون ويطالبون يومياً بحقوقهم و يستطيعن تغيير الهيئة المحلية برمتها في أي استحقاق انتخابي قادم.

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img