| ناديا الحلاق |
في بلد تتعدد فيه الطوائف والمذاهب، تبرز بين الحين والآخر قضايا تتصل بالحريات الدينية ومدى احترامها في مختلف مجالات الحياة، ومنها بيئة العمل.
ويأتي الجدل المتجدد حول حق الموظفين المسلمين في أداء صلاة الجمعة كإحدى هذه القضايا الحساسة.
في خطبة الجمعة التي ألقاها أحد رجال الدين الأسبوع الماضي، وجّه خلالها نداءً واضحاً وصريحاً إلى أصحاب الشركات والمؤسسات الخاصة، طالبًا منهم الالتزام بمنح الموظفين المسلمين ساعة خلال يوم الجمعة لأداء صلاة الجمعة، مؤكدًا أن هذا الحق ديني لا يجوز المساس به، ويمثّل جزءًا من الحريات الدينية التي كفلها الدستور اللبناني والقوانين المرعية الإجراء.
وخلال الخطبة، شدّد رجل الدين على أنّ حرمان الموظفين من هذه الساعة يُعدّ تعدياً على حقوقهم الدينية، ويدخل في إطار التضييق غير المقبول على شعائر الإسلام.
وأضاف أن صلاة الجمعة فريضة على المسلم البالغ العاقل، ولا يجوز التهاون فيها، محذرًا من أن الاستمرار في منع الموظفين من أدائها سيقابل بحملة ضغط دينية وشعبية، قد تشمل التسمية العلنية للمؤسسات المخالفة ومقاطعة منتجاتها أو خدماتها.
وفي تصعيد واضح، هدّد الشيخ بأنه في حال لم تلتزم الشركات والمؤسسات بهذا المطلب، فسيتم اللجوء إلى القضاء اللبناني لمقاضاة كل من يثبت تسببه في منع الموظفين من ممارسة حقهم الديني، مؤكدًا أن هذا التصرف يُعدّ تمييزًا دينياً صريحاً، ويخالف المبادئ القانونية التي تضمن حرية المعتقد وممارسة الشعائر.
وأشار إلى أن هناك جهات قانونية مستعدة لمتابعة هذا الملف حتى النهاية، وأن السكوت عن هذا الانتهاك لن يستمر.
كما دعا رجل الدين إلى إصدار قرار واضح من وزارة العمل يُلزم كافة المؤسسات بإتاحة هذه الساعة الأسبوعية، مطالبًا أيضًا النقابات والجمعيات الإسلامية بالتدخل لحماية حقوق العمال والوقوف إلى جانبهم في حال تعرضهم للضغط أو التهديد بالفصل بسبب تأديتهم الصلاة.
ودعا إلى الحوار والتفاهم بين أرباب العمل والعاملين، مشيراً إلى أن احترام الشعائر لا يتعارض مع الإنتاجية أو حسن سير العمل، بل يساهم في خلق بيئة عمل أكثر احترامًا وتوازنًا روحيًا.
هل يلزم القانون اللبناني أصحاب العمل بالسماح للموظفين بأداء صلاة الجمعة؟
يُثير موضوع منح الموظفين المسلمين ساعة لأداء صلاة الجمعة جدلاً قانونياً واجتماعياً في لبنان، خصوصاً في ظل غياب نص صريح في قانون العمل ينظم هذه المسألة بشكل مباشر. ومع ذلك، هناك أسس قانونية ودستورية يمكن الاستناد إليها للمطالبة بهذا الحق.
أولًا، الدستور اللبناني في مادته التاسعة ينص على أن حرية الاعتقاد مطلقة، والدولة تضمن احترام الأديان والمذاهب، وحرية إقامة الشعائر الدينية تحت حماية القانون، وهذا يُعطي الموظف المسلم حقاً مشروعاً في المطالبة بوقت لأداء شعيرته الدينية.
ثانيًا، قانون العمل اللبناني لا يتضمن نصًا صريحاً يُلزم أصحاب العمل بمنح الموظفين ساعة لصلاة الجمعة، لكنه يحدد الحد الأقصى لساعات العمل اليومية، ويضمن للموظف حقه في فترات استراحة خلال الدوام، مما يمكن استخدامه كمدخل قانوني لتخصيص ساعة أسبوعية لأداء الصلاة.
ثالثاً، يُمكن الاستناد إلى مبدأ عدم التمييز الديني المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها لبنان، والتي تضمن حق الأفراد في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية، خصوصاً في أماكن العمل.
كما أن منع الموظف من أداء صلاة الجمعة، أو تهديده أو فصله بسبب ذلك، يمكن أن يُعتبر في بعض الحالات إخلالًا بحرية المعتقد ومخالفة للمبادئ الدستورية، مما يعطي المتضرر حق اللجوء إلى القضاء المدني أو مجلس العمل التحكيمي للمطالبة بإنصافه.
في المحصلة، لا يوجد نص قانوني يجرّم بشكل مباشر رفض الشركات منح ساعة لصلاة الجمعة، إلا أن هناك مبررات قانونية ودستورية يمكن من خلالها تحريك دعاوى ضد أصحاب العمل الذين يعتدون على هذا الحق، خاصة إذا ترتب على الرفض ضرر واضح للموظف.