/ حسن فقيه /
لا يمكن لعاقل، في شرق الأرض أو غربها، توقّع حجم اللامبالاة والوقاحة التي وصلت اليها معظم القوى السياسية في لبنان على مشارف الانتخابات النيابية، والتي سترسم مستقبل لبنان الحديث، كما تحاول مختلف الاحزاب أن توحي لمناصريها. وما زالت تعتمد ذات الخطاب الانتخابي الذي اعتمدته في العام 2018 من دون مراعاة ما حدث خلال السنوات الأربع الماضية، من انهيار اقتصادي ومعيشي فاق حدود المعقول، وأغرق أكثر من ثمانين بالمائة من الشعب اللبناني بالفقر.
في العام 2018 كان الدولار يساوي 1500 ليرة لبنانية، وصفيحة البنزين لا تتعدى الـ 20 ألف ليرة، واسعار المواد الغذائية وغيرها من متطلبات الحياة الاساسية قيد الممكن والمستطاع للمواطن. أما اليوم فقد وصل الدولار لحاجز الـ 30 ألف وتعداه في فترة معينة، وصفيحة البنزين لامست الـ 500 ألف ليرة لبنانية، والمازوت تخطى المبلغ المذكور، وأزمات كهرباء وماء ودواء واستشفاء.
مع كل هذا الواقع المرير، أطلت القوى السياسية بذات الخطاب المنقسم بين وجهتين رئيسيتين لفريقين مختلفين:
الأولى، تصور المعركة الانتخابية على أنها معركة ضد السلاح ولإنهاء حالة العداء للعدو الاسرائيلي.
الثانية، تصورها على أنها معركة ضد الشرعية اللبنانية، ولاخضاع لبنان لسياسات دولية.
تناسى الطرفان الاوضاع المعيشية والاقتصادية، ولم يتطرق أحدهما لخطة واضحة المعالم تستطيع انتشال لبنان من المجهول الذي وصل اليه. لذلك، لا بد من طرح بعض الاسئلة المنطقية، وإن وجد المقترع أجوبته عليها عند طرف ما، فعليه بانتخابه:
– مَن هو الطرف السياسي الذي وضع في برنامجه الانتخابي بوادر خطة اقتصادية لضبط سعر صرف الليرة المتفلت امام الدولار، ومن طمأن جمهوره بعدم فقدان الليرة قيمتها أكثر فاكثر؟
– مَن يضمن للناس انخفاض أسعار المحروقات الجنونية وعدم احتكارها وإخفائها، وإجبار الناس على الوقوف مرة أخرى في طوابير الذل؟
– من يُؤمّن للفقير رغيفه في ظل عدم وجود رؤية كافية لتأمين القمح الذي ينفد مخزونه في مهلة قصيرة؟
– ماذا عن أموال المودعين وقانون الكابيتال كونترول، والسياسات المصرفية، وخطة التعافي الاقتصادي، والنفط والغاز، والبطالة المتفشية، والكهرباء التي تطل في الصدف فقط؟
– من يضمن عدم الفراغ في المؤسسات الدستورية، ومنع الاقتتال الطائفي؟
قطعاً جميع هذه الأسئلة لم تلق مكاناً فارغاً في روزنامة برامج الاحزاب الانتخابية، بل اكتفت بتكرير الشعارات الموسمية التي تتزامن مع كل دورة للانتخابات النيابية، من دون الأخذ بالحسبان عدم قدرة أي طرف سياسي على حسم الاغلبية النيابية له.
لو فاز ما كان يعرف سابقاً بـ”14 آذار، فإن القطب الأساسي فيه المتمثل بتيار “المستقبل” قد فُقد، والضبابية تسيطر على المشهد السني. ولو فاز ما كان يعرف بـ” 8 آذار”، فإن طرفين أساسيين فيه، هما حركة “أمل” و”التيار الوطني الحر”، في حالة خصام دائم، تترجم بحالة إنفصام.
لم يمر ما هو أصعب من مرحلة العام 2005 على لبنان بعد اتفاق الطائف. في تلك المرحلة تم اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وخرج الجيش السوري من لبنان، واعتقد البعض ان حزب الله وحلفاءه في مرحلة صعبة، خصوصاً مع خسارتهم للانتخابات النيابية، لكن لم يستطع أحد نزع السلاح. وحين حكم فريق “8 آذار” وأتى برئيس للجمهورية وشكل الحكومة التي يريد وتفكك فريق “14 آذار”، لم يستطع أن يحكم وحده أيضاً. اذن، يعلم الطرفان حقيقة انتفاء القدرة على الحكم الآحادي في لبنان، لكنهما يحاولان دوماً استثمار المشاعر الطائفية الموجودة لدى البعض من مناصريهم، بغية تحقيق أصوات تؤتي ثمارها في مجلس النواب.
لم يكن الهدف يوماً تحريض الناس على عدم الانتخاب. على العكس تماماً، الاقتراع واجب اخلاقي وشرعي. لكن لماذا لا تقدّم الأحزاب برامج تلامس وقائع الناس المرة والصعبة؟ لماذا لا تطمئنهم على رغيفهم وجني عمرهم الذي ضاع بدلاً من اطلاق شعارات يعلمون جيداً أنها ستبقى حبراً على ورق يعاد صياغته بعد أربع سنوات من الآن؟
حين تلامس البرامج والوعود الانتخابية أسئلة الناس اليومية التي تؤرق تفكيرهم، عندها تستحق أن تكون مشروعاً صالحاً لينال أصوات الناخبين…