/ جورج علم /
إجتاز موكب الإستحقاق الإنتخابي مضارب الإعلام، من شاشات، و”مانشيتات”، ليدخل الصمت الكبير، قبيل المهرجان المنتظر 15 أيار.
ترك وراءه الكثير من الضجيج، والغبار. وبقيت على قارعة الطريق آثار حوافر الجياد المطهمة، وتراجيع الصدى لكل هذا الزعيق المنفعل، الموتور، الغاضب، والشتّام.
كان الخطاب الانتخابي تحريضي بامتياز، وتمكّن من أن يشدّ العصب الطائفي، والمذهبي، والفئوي، والمناطقي في طول البلاد، وعرضها.
كان غولاً نهماً تمكّن من بلع كل الخطايا والرزايا، وحصر المعركة بشعار “بيّي أقوى من بيّك”، وكأن البلاد بألف خير تنعم بعيش رغيد، ومجتمع سعيد!.
كان أشبه بمرافعة ناجحة في محكمة الرأي العام، هدفها إنتزاع حكم البراءة لقيادات عاثت في الأرض فساداً، ولم تترك كبيرة من الكبائر إلاّ وإفتعلتها، ثم جاءت مدثّرة بجلباب الوقاحة، لتجهيل الفاعل، وطمس كل الموبوءات، والظهور بمظهر النافذ المنقذ، والقائد الملهم.
على الطريق نحو الصمت الانتخابي، ومن ثم الاستحقاق، كان هناك ثلاث غرف عمليات:
الأولى، يديرها سفير، أو رئيس بعثة. وأمامه دراسة واضحة بخطوطها العريضة، وتفاصيلها الدقيقة، وحوله فريق عمل، مدرّب، وصاحب سوابق. والهدف تمكين هذا االمحور الإقليمي ـ الدولي من السيطرة على المجلس المنتخب، إن لم يكن عن طريق الأكثريّة، فعلى الأقل عن طريق الإمساك بـ”الثلث المعطّل”!
الثانيّة، يقطنها المحاسب، وأمامه عدّة الشغل، وأسماء المرشحين المدعومين، ولوائح الشطب في الدوائر الإنتخابيّة، وحوله “فرق سبّاقة” منتشرة، تقوم بتنفيذ الخطوات المطلوبة بدقة متناهيّة، فيما يقوم الحاسوب بتسجيل الإيصالات، ومعها التعهدات، وغالباً ما تكون خطيّة مذيلة بتواقيع!
الثالثة، يديرها “الإعلام الملتزم” من “طقطق.. للسلام عليكم”! ومن اليافطات، الى الشعارات، والكليشيّات، ومن الندوات الحواريّة، الى الحلقات التحريضيّة.
مليار دولار انفق على الإعلام الإنتخابي الموجّه، حتى تاريخ الثالث من أيار، كما يفيد مراقب أوروبي منتدب لمعاينة الشفافية في الحملات الإنتخابيّة!
ويبقى الوضوح، جديد هذا الإستحقاق. ليس من “أشباح”، ولا من “خفافيش ليل”. الكلّ حاضر، جاهز. سفارات الانتخابات مستنفرة منذ ما قبل انتفاضة 17 تشرين، إنها هنا تقوم بدور الفاعل، المؤثر، المحفّز، الشاهد على الإستحقاق.
صراع المحاور على أشدّه. محور الممانعة يريد الإمساك بالساحة لتسديد الحسابات الكثيرة المطلوبة على مستوى الإقليم، إنطلاقاً من مفاوضات فيينا، مروراً بالأزمة الأوكرانيّة، وصولاً الى أمن الخليج.
المحور السيادي في عزّ استنفاره، لا يريد أن تهدر الفرصة، ويصبح لبنان خارج هويته، ودوره، ورسالته.
الدعوة الى الإعتكاف، والإمتناع، والتحريض على المقاطعة، ليست تفصيلاً، إنها أكبر من غضبة عارمة، أو نزوة عابرة. إنها حفر في الأساسات الركينة!
تعميم المديريّة العامة للأوقاف الإسلاميّة بتوجيه من مفتي الجمهوريّة الشيخ عبد اللطيف دريان “أمر واجب”، ودعوته خطباء المساجد يوم الجمعة “لحثّ المؤمنين على المشاركة الواسعة، وبكثافة، في ممارسة واجبهم الوطني بإنتخاب ممثليهم في المجلس النيابي، واختيار الأصلح، والأكفأ، ومن هو جدير بتولي هذه الأمانة…”، ليس مجرّد بيان “رفع عتب”، بقدر ما هو حضّ على “واجب مقدّس”. والمسألة لم تعد محصورة بمن هو الأول في الطائفة، والزعيم، والمرجعيّة، والمستقطب… بل الطائفة بموقعها الوطني، ودورها الميثاقي، وحضورها في مسلسل الإستحقاقات الآيلة الى رسم معالم لبنان الآتي، ودوره في الحاضنة العربيّة، وجامعة الدول العربيّة.
وربما من هذه الخلفيّة ينبع الخطاب المكفهر، الغاضب، لـ”حزب الله”، وللثنائي الشيعي بوجه عام.
خطاب يتجاوز الساحة السنيّة الى حديقة ما كان يعرف بـ14 آذار.
يشعر “حزب الله”، بأن زمن الغَرف من صحن لبنان الوطن، والدولة، والنظام قد انتهى. لبنان الوطن مفكك. لبنان الدولة، أصبح صاحب إمتياز بمؤسساته المنهارة، ولبنان النظام يبحث عن “سمحة نفس”، ولا يمكنه ان يقوم ويحلّق، وهو جهيض الجناح.
يشعر الحزب بأن الآخرين يريدون الإقتتات من صحنه. زمن “ما لنا، هو لنا وحدنا. وما لكم، هو لنا ولكم” انتهى. والخلاف اليوم هو حول الأحجام والأوزان، ومَن مِن بينهما الأقوى والأضمن؟
ألأحجام، وعلى قاعدة “قصقص ورق.. ساويهم ناس”، أي إنتخابات، لحشد أسماء في المجلس لصالح هذا الفريق، دون ذاك… أو أوزان، بمعنى “النوعيّة التي يجب أن تتقدم على الكميّة”!
ومع دخول واحة “الصمت الإنتخابي”، هناك ثلاثة حواصل باتت مؤمنة، ولا بدّ من الإقرار بها، قبل يوم الإستحقاق:
- الأول، إن تجويع الناس، وذلّ الناس، وقهر الناس، عمليّة مدروسة، وعن سابق تصوّر وتصميم، لكي يصبح للمال الإنتخابي، وقعه، وجدواه، ولكي يكون هو النافذ عند البيئات الفقيرة المعدمة، أو عند المجتمعات غير المكترثة، وغير المباليّة، أو المتحفّظة على السلوك العام المدمّر، والمتوحّش.
- الثاني، إن “صك البراءة” أصبح جاهزاً، و”عفا الله عمّا مضى” أمراً مقبولاً، بدليل أن جميع الوجوه المعروفة المدججة صدورها بأوسمة الشرف ستعود الى المجلس النيابي تقديراً لجهودها في تدمير لبنان، وإعادته الى العصر الحجري.
كان قادة العدو يهددون السيد حسن نصرالله ، وحكومة لبنان، بإعادته الى “العصر الحجري”. لقد قام المسؤولون عن شؤوننا بالواجب، و”بلا منّة إسرائيل”. وهؤلاء برؤوسهم المبدعة، واستراتيجياتهم البعيدة المدى، والتي أوصلت اللبناني الى هذا القدر من الذل، سيعودون الى ساحة النجمة.. و”هللّي عالريح يا رايتنا العليّة”…!
- أما الحاصل الثالث فمتمثّل ب”الثلث المعطّل”.. لمن سيكون؟.. الجواب في 16 أيار.. لكنه “ثلث معطّل”…! والى اللقاء.