| فرح سليمان |
في أولى محطاتها المنتظرة، تنطلق الانتخابات البلدية والاختيارية يوم الأحد
من محافظة جبل لبنان، فاتحة الباب أمام مشهد ديمقراطي متجدد في بلد أنهكته الأزمات، إلا أن هذا الاستحقاق، وعلى الرغم من كونه محطة اعتيادية في الحياة السياسية اللبنانية، أضحى هذه المرة محط أنظار ومحل تحدٍّ بفعل التحديات الأمنية والضبابية السياسية التي سبقته.
تُعدّ بعبدا من أبرز الأقضية السكانية في لبنان، إذ يبلغ عدد سكانها نحو مليون نسمة، ما يجعلها أكبر تجمع سكاني في محافظة جبل لبنان، تحيط بها العاصمة بيروت وقضاء المتن من الشمال، وقضاء زحلة من الشرق، وقضاء عالية من الجنوب، ما يمنحها موقعاً استراتيجياً بين الجبل والساحل. تحتضن بعبدا القصر الجمهوري، المقر الرئاسي الرسمي لرئيس الجمهورية اللبنانية، ما يكرّس مكانتها السياسية والإدارية.
ويُشكل ضمّها للضواحي الجنوبية للعاصمة، عاملاً أساسياً في تضخمها السكاني نتيجة الهجرات المتواصلة إليها خلال العقود الماضية.
وتُعرف بعبدا أيضاً بكونها مركزاً للعديد من المؤسسات الرسمية والوزارات، ما يجعل منها محوراً تعليمياً ووظيفياً بارزاً في البلاد.
جرت الانتخابات البلدية آخر مرّة عام 2016، فمن أصل عشرات البلديات المنتشرة في المحافظة، سجّلت حتى اللحظة فوز 62 بلدية بالتزكية، وفق ما أكده محافظ جبل لبنان القاضي محمود مكاوي، في وقت يُتوقع أن يرتفع هذا الرقم عشية يوم الاقتراع مع انتهاء مهلة الانسحاب، الأمر الذي يكشف عن ازدواجية المشهد الانتخابي في جبل لبنان: من جهة، مناطق ارتضت بالتوافق، ومن جهة أخرى، ساحات تشهد منافسة محتدمة تتراوح بين العائلية والسياسية.
وبحسب الأرقام الرسمية، بلغ عدد المرشحين نحو 7 آلاف بينهم أكثر من 1200 سيدة، ما يعكس مشاركة نسائية ملحوظة في الحياة المحلية.
وقد واكبت وزارة الداخلية هذه التحضيرات بخطة لوجستية وأمنية متكاملة، مؤكدةً جاهزيتها التامة لإنجاز الاستحقاق في موعده، وشدد الوزير أحمد الحجار بدوره على أن “الانتخابات ستُجرى بسلاسة رغم التحديات”، في موقف يُفهم منه إصرار الدولة على عدم تعطيل هذا الاستحقاق مهما كانت الظروف.
إقبال خجول.. ثم انتعاش
اللافت أن حماسة الترشح بدت خجولة في بداية الأمر، نتيجة الشكوك حول إمكان إجراء الانتخابات من أساسها، لكنها عادت فانتعشت مع اقتراب موعدها، وهو ما يؤكد ارتباط المشاركة الشعبية مباشرة بثقة الناس بمؤسسات الدولة ومواعيدها الدستورية.
وبين بلدات تتوزع المنازلة فيها بين عائلات متجذّرة في النسيج الاجتماعي، وأخرى تنبض بالتنافس السياسي، يتخذ المشهد طابعاً غير موحّد، وهو ما يعكس خصوصية الاستحقاق البلدي في لبنان، الذي لا يُعدّ بالضرورة مؤشراً دقيقاً لاتجاهات الرأي السياسي العام، خصوصاً في القرى والبلدات الصغيرة حيث تسود الاعتبارات العائلية والمحلية على ما عداها.
من هنا، لا يمكن الركون إلى نتائج الانتخابات البلدية كمقياس للوزن الشعبي للأحزاب، خصوصاً في المدن التي تشهد تنوعاً طائفياً محدوداً أو تلك التي يغلب فيها الطابع العشائري، حتى بعض المدن الكبرى، المعروفة تاريخياً بتنافسها السياسي، تشهد هذه المرة هدوءاً انتخابياً لافتاً، يُفسَّر أحياناً بتفاهمات غير معلنة أو بتراجع الحماسة السياسية أمام تردّي الأوضاع المعيشية.
وزارة الداخلية، بدورها، أطلقت حملة إعلامية تحت شعار “لأن البلد ببلش بالبلدية”، في محاولة لتحفيز الناخبين على المشاركة، في ظل مخاوف من تراجع نسب الاقتراع نتيجة الإحباط العام والظروف الاقتصادية الصعبة.
وإذا كانت التزكية قد فرضت نفسها في أكثر من خمسين بلدية، فإن يوم الأحد سيكون يوماً فاصلاً في بلدات أخرى ما زال أهلها يؤمنون بصوتهم الانتخابي كوسيلة تغيير، وبين صناديق الاقتراع ونداءات التوافق، وبين التحشيد الشعبي والحملات الإعلانية، ينطلق قطار الانتخابات البلدية من جبل لبنان، على أمل ألا يترنّح في محطاته المقبلة، في وطن كل ما فيه بحاجة إلى إعادة بناء.. تبدأ من البلديات.