/ هبة علّام /
وسط كل هذا الصخب الانتخابي، وانشغال الدولة بكل مؤسّساتها، وحتى جزء كبير من اللبنانيين، بالعمليّة الانتخابيّة المنشودة، يعيش العمّال هاجس الفقر والعوز، فهم ما زالوا يتقاضون فتات المال، فيما أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية والخضار والمحروقات تشهد صعوداً نارياً بشكل يوميّ.
معاناتهم هذه، لم تدفع أصحاب المؤسسات لتصحيح أجورهم وزيادتها إلّا بالشيء الذي لا يُذكر. وهذا ينطبق أيضاً على موظفي القطاع العام بكل فروعه.
وعلى الرغم من كل التظاهرات والتحرّكات التي جرت في الفترة السابقة لانطلاق السباق الانتخابي، لا حلول جذرية حتى اليوم، فيما مشاكل المواطنين الاقتصادية والمعيشية تتفاقم يوماً بعد يوم كلما ارتفعت الأسعار.
بالأمس القريب تمكّن الاتّحاد العمّالي العام من الضغط باتجاه رفع الحد الأدنى للأجور (بصورة زيادة غلاء معيشة) إلى مليوني ليرة لبنانية وبدل النقل إلى 65 ألف ليرة، لكن هذه الزيادة اليوم لا قيمة لها مع ارتفاع أسعار المحروقات والغلاء الفاحش، كان آخرها وصول سعر صفيحة البنزين إلى ما يزيد عن 500 ألف ليرة وتجاوز سعر صرف الدولار الـ 27 ألف ليرة.
للأسف، غطّت الانتخابات النيابية على معاناة المواطنين والعمّال، إلّا أن تطورات جديدة جرت في كواليس المفاوضات التي يجريها الاتحاد العمّالي مع الحكومة والهيئات الاقتصادية وخرقت الصمت الانتخابي، بدأت بوادرها، وقد تُستكمل بعد الانتخابات في حال نجحت أمام السقف العالي الذي رفعه العمّال في مطالبهم.
وفي هذا الإطار، علم موقع “الجريدة” أنّ حواراً جرى مع الهيئات الاقتصادية حول ضرورة رفع بدل النقل إلى حدود الـ 150 ألف وما فوق. وقد أوصل العمّال رسائل عبر ممثّليهم في الاتحاد العمالي إلى ممثلي الهيئات الاقتصادية، بأنهم ينتظرون انتهاء الانتخابات ومن بعدها لن يقبلوا بسقف المليونين ليرة كحدّ أدنى للرواتب، ولا ببدل نقل ما دون الـ 150 ألف، ولا بقيمة المنح المدرسية الحالية بعد الزيادات التي طرأت على أقساط المدارس.
إضافة إلى ذلك، طالبوا بأجور يكون حدّها الأدنى سبعة ملايين ليرة كخطوة أولى، الأمر الذي رفضته الهيئات الاقتصادية، إلّا أنّه تم التوافق على أن تكون أي زيادة تحت مسمّى غلاء معيشة، الأمر الذي سينعكس إيجاباً على مستحقّات العمّال لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في حال التزمت المؤسّسات بتسجيل الرواتب الحقيقية لموظفيها وعمّالها، وبالتالي إدخال نحو مليار ومئة مليون ليرة إلى الصندوق، ما يتيح تعديل التسعيرات الاستشفائية.
أمّا على صعيد القطاع العام، فعلم موقع “الجريدة” أيضاً، أن اتّفاقاً حصل بين الاتحاد ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير المال يوسف الخليل، ستُدفع بموجبه المبالغ المقطوعة لموظفي القطاع خلال يومين، والتي كانت تقرّرت في بداية العام لكنها لم تُدفع حتى الآن.
كذلك تمّ الاتّفاق، على أن يكون رفع بدل النقل متلازماً بين القطاعين العام والخاص، وأن تُدفع مبالغ ماليّة إلى تعاونية موظفي الدولة تصل إلى ألف مليار ليرة، وإلى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تصل أيضاً إلى ألف مليار ليرة.
لكن على أرض الواقع تبقى تلك الاتفاقات رهن التنفيذ، وإن نُفذت قد تصبح من دون قيمة بين ليلة وضحاها في بلد يعيش على منصّة صيرفة، وعمّال يتحكّم برقابهم سعر صرف الدولار.
فلا الزيادات على الرواتب ستنفع، ولا رفع بدل النقل للعمال سيرفع كلفة عن كاهلهم، طالما أنه لا توجد خطّة واضحة لمسار البلد الاقتصادي تبدأ أولاً بتثبيت سعر صرف العملة الأجنبية قبل أي شيء، ورفع العصا جدّياً فوق رؤوس الكارتيلات والتجّار المتحكّمين بمصير المواطنين من دون حسيب أو رقيب، حيث تغيب الوزارات المعنيّة بمؤسساتها شبه المفلسة أصلاً، عن محاسبة من يعمد يوميّاً إلى تجويع اللبنانيين مقابل بناء إمبراطوريته التجاريّة والماليّة.