الجشع يؤدّي إلى إشباع السوق | ألواح الطاقة الشمسية: تراجع الاستيراد 82%

| فؤاد بزي |

انحسرت سوق الطاقة الشمسية في لبنان، وتراجع عدد «العاملين الطارئين» على المهنة الأشهر خلال سنوات الأزمة الاقتصادية بشكل حادّ.

فوفقاً لأرقام الجمارك، استورد لبنان عام 2024 مليونين و242 ألفاً من ألواح الطاقة الشمسية بقيمة 75 مليون دولار، مسجّلاً تراجعاً بنسبة 41% عن عام 2023، وبنسبة 82% عن عام 2022 عندما بلغ عدد الألواح المستوردة من مختلف الأحجام نحو خمسة ملايين بقيمة 416 مليون دولار.

ويعزو عاملون في سوق الطاقة الشمسية هذا التراجع الحادّ إلى تضافر عدد من الأسباب أدّت إلى انخفاض الطلب على ألواح الطاقة الشمسية.

ورغم أنه لم يطرأ تحسّن ملحوظ على «كهرباء الدولة» إذ لا تزيد ساعات التغذية على أربع ساعات يومياً في معظم المناطق، بدأ التراجع بشكل أساسي على طلب تركيب محطات الطاقة الشمسية المنزلية مطلع عام 2023، مع استقرار وضع «اشتراكات الكهرباء» في الأحياء وانتهاء أزمة المحروقات التي ترافقت مع «دولرة» فاتورة المولّدات وتحوّل عدد كبير منها إلى استخدام العدّادات وتشغيل المولّدات على مدار الساعة.

كذلك تعيد مصادر بلدية في اتحاد بلديات الضاحية الجنوبية التراجع في الطلب على الطاقة الشمسية إلى «ضيق المساحات المخصّصة على الأسطح لتركيب الألواح»، و«من سبق شمّ الحبق».

وفي سياق مرتبط، «ساهم الاستيراد المُفرط عام 2022 في وصول السوق إلى حالة إشباع»، بحسب محمد فاضل، وهو صاحب إحدى شركات الأنظمة الشمسية.

ومع تراجع الطلب، لم يعد هناك من داعٍ لمزيد من الاستيراد، خصوصاً أنّ العمر الافتراضي طويل نسبياً ويصل إلى 25 سنة. ويلفت إلى أنه في خضمّ الفورة، اقتصر تركيب محطات الطاقة الشمسية المنزلية على القادرين على تحمّل نفقاتها.

لذا، فإنّ «من لم يبادر إلى تركيب نظام شمسي، لن يقوم بطلبه الآن»، لأن أصحاب الدخل المحدود غير قادرين على تحمّل تكاليف لا تقلّ عن ألفي دولار، توازي الراتب الشهري لـ4 موظفين في القطاع العام.

وتبع الإحجام عن الطلب، مغادرة عدد من «الطارئين» على تجارة أجهزة الطاقة الشمسية السوق، بعدما أعادوا تكوين رؤوس أموالهم وباعوا فائض البضاعة الموجودة لديهم بأسعار متهاودة لإعادة تسييل أموالهم، ما انعكس تراجعاً كبيراً في الأسعار. ويعيد أحد تجار الأدوات الكهربائية تراجع الاستيراد إلى «الجشع والفوضى».

فـ«منذ بداية عام 2022، أُغرق السوق بألواح الطاقة والتجهيزات المرافقة لها، بعدما دخل سوق الأدوات الكهربائية كل من هبّ ودبّ من طامحين بالربح السريع، وخُيّل لهم أنّ هذا القطاع دجاجة تبيض ذهباً».

وفي المحصّلة، فاضت البضاعة عن حاجة السوق لسنوات، ما أدّى إلى انخفاض السعر إلى ما دون سعر المبيع على أرض المصنع في بلد المنشأ، مثل الصين. ففي عام 2022، مثلاً، وصل سعر الواط الواحد (تُسعّر الألواح الشمسية وفقاً لقدرتها على إنتاج الطاقة الكهربائية التي تقاس بالواط) إلى 47 سنتاً. أما اليوم، فيراوح السعر بين 10 سنتات و15 سنتاً، بتراجع نسبته 79%.

وتبيّن أرقام الجمارك تراجع متوسط سعر اللوح الواحد إلى 33 دولاراً عام 2024، في مقابل 92 دولاراً عام 2022.

من بقي في السوق من مختصّي أنظمة الطاقة الشمسية يقومون بـ«أعمال الصيانة، أو تركيب المشاريع الكبيرة للشركات»، بحسب مصطفى وهبي، صاحب إحدى الورش في الضاحية الجنوبية.

ولم يُسجّل أي تغيير في الطلب بعد الحرب، على عكس التوقّعات بارتفاع الطلب على صيانة وتركيب محطات الطاقة الشمسية المنزلية، بعدما تسبّب القصف الصهيوني على الضاحية وحدها بتضرر أو تدمير 29% من ألواح الطاقة الشمسية المركّبة فيها (36 ألف لوح) وفقاً لتقرير المجلس الوطني للبحوث العلمية.

ويعزو وهبي ذلك إلى الخشية من تجدّد الحرب، وإلى أن كثيرين يفضّلون التريث قبل استثمار أموالهم في الطاقة الشمسية التي باتت تُعدّ من الكماليات مقارنةً مع ترميم البيوت وإعادة تأهيلها للسكن.

الطاقة الشمسية… مهدورة

بحسب أرقام وزارة الطاقة والمياه، تشكّل الطاقة الشمسية 22% من مجمل الطاقة الكهربائية المنتجة في لبنان. ورغم الارتفاع الكبير في الاعتماد على هذا المورد المتجدّد في توليد الكهرباء، إلا أنّ الجزء الأكبر من الطاقة المنتجة من الألواح الشمسية يبقى مهدوراً، ولا تستفيد منه الشبكة العامة. فبسبب غياب التنظيم، وكهرباء الدولة، لا يمكن الاستفادة من فائض الكهرباء المنتجة من ألواح الطاقة، ما يؤدي إلى اقتصار فائدتها على البيوت أو المؤسسات الموصولة عليها مباشرةً.

بمعنى آخر، لو نظّمت الدولة قطاع الطاقة الشمسية في بدايته، لكان بإمكانها فرض تركيب أجهزة عاكسة، معروفة بـ«Inverter» من فئة «on grid»، ومع مدّ الشبكة بـ«كهرباء الدولة» لـ24 ساعة يومياً، تقوم هذه الأجهزة بتوليد الكهرباء ووضع الفائض منها على الشبكة العامة. وبهذه الخطوة، يستفيد أيضاً صاحب المنزل، إذ يمكنه حسم قيمة ما وضعه من طاقة على الشبكة من فاتورة الكهرباء الخاصة به من خلال نظام موجود في مؤسسة كهرباء لبنان معروف بـ«net metering».

استيراد البطاريات

ترافق تراجع استيراد ألواح الطاقة الشمسية مع تراجع في استيراد البطاريات. وبحسب أرقام الجمارك اللبنانية، بلغ حجم استيراد البطاريات عام 2024 نحو 31 ألف طن، وصلت قيمتها إلى 87 مليون دولار. وفي مقارنة مع أرقام السنوات الماضية، تراجع الاستيراد بنسبة 25% مقارنة بعام 2023، وبنسبة 71.5% عن عام 2022 عندما وصل حجم الاستيراد إلى 107 آلاف طن، بقيمة إجمالية بلغت 305 ملايين دولار.

30 في المئة

هي نسبة بطاريات الليثيوم من مجمل عدد البطاريات المستوردة، وبلغت قيمتها 26 مليون دولار خلال عام 2024

33 دولاراً

هو السعر الوسطي للوح الطاقة الشمسية المستورد إلى لبنان خلال عام 2024