الجامعة اللبنانية

الكباش القانوني مستمرّ – استرداد حقوق “اللبنانية” بيد النائب العام المالي

| فاتن الحاج |

في قراريْن نهائييْن منفصليْن، غرّم ديوان المحاسبة وزيرَي الصحة السابقيْن حمد الحسن وفراس الأبيض، ورئيسَي الجامعة اللبنانية السابق والحالي فؤاد أيوب وبسام بدران (الذي تقرّر وقف العقوبة بحقه نتيجة حسن النية) والمدير العام السابق للطيران المدني بالتكليف فادي الحسن، بسبب مخالفات قانونية ومالية وإدارية في ملف الأموال المستحقّة للجامعة اللبنانية على شركات الطيران والشركات الأرضية الخاصة، مقابل إجرائها فحوصات PCR للمسافرين إبان جائحة كورونا.

تناول القرار الأول مخالفات ارتكبها الوزيران حسن والأبيض، إذ إن الأول «وقّع مذكّرتَيْ تفاهم عام 2020، ووضعهما موضع التنفيذ من دون تأشير مراقب عقد النفقات، ومن دون إخضاعهما لمراقبة ديوان المحاسبة»، في حين وقّع الثاني «مذكّرة ثالثة مع جمعية عمّال من دون أي سند قانوني، مخالفاً أصول إدارة استعمال المال العام، وقانون النقد والتسليف.

كما تعاقدت الوزارة مع شركات الطيران والشركات الأرضيّة من دون سند قانوني للتعاقد، ووافقت على تحصيل حوالات بالدولار بموجب شيكات من الشركات».

وتطرّق القرار الثاني إلى مخالفات ارتكبتها إدارة الجامعة اللبنانية، من بينها «عدم تعديل موازنتها، ولحظ إيرادات الفحوصات فيها، والصرف خلافاً للأصول، وعقد نفقات من دون تأشير مراقب عقد النفقات، إضافة إلى عدم تحويل مبالغ الفحوصات بالدولار إلى حساب الجامعة في مصرف لبنان».

غير أن هذه «الجزاءات» تهمل في السياق الذي وردت فيه أن مذكّرات التفاهم أُبرمت في زمن أُعلنت فيه حالة الطوارئ في البلاد. ومعلوم أنه، بحسب أحكام القانون الإداري، يُسمح بحصول بعض التجاوزات، ولا سيما أن مذكّرات التفاهم هدفت إلى دعم جهود مواجهة الوباء.

المحامي جاد طعمة الذي تابع الملف منذ اليوم الأول وطلبت لجنة التربية النيابية مشورته القانونية، أوضح لـ«الأخبار» أن ديوان المحاسبة «كان من بين الجهات القضائية التي تصدّت وبتّت في الملف.

وألزم قضاة الديوان، في قرار سابق، الجامعة اللبنانية بتحصيل كامل العائدات بالدولار، والبحث عن مكامن الخلل في مذكّرات التفاهم ووجوب محاسبة الموظفين والإداريين.

وكان منتظراً أن يُعمل، في قراره النهائي، نظرية الظروف الاستثنائية لمحاولة تبرير بعض التجاوزات القانونية في الإدارات الرسمية والجامعة اللبنانية عبر رئيسَي الجامعة السابق والحالي». واعتبر طعمة أن «القرار النهائي الذي تضمّن وقف تنفيذ العقوبة بحق رئيس الجامعة الحالي لثبوت حسن النية، يظهر بعضاً من المرونة في التعامل مع ظروف القضية، وإن كان وقف العقوبة يجب أن يطاول الرئيس السابق أيضاً».

غير أن القضية الأساس بالنسبة إلى طعمة هي الإفراج عن المبالغ المستحقّة للجامعة والمحجوزة من شركات تجارية خاصة تستثمرها أو تستفيد منها، مشيراً إلى أن استمرار التأخر في تحصيلها يتضمّن خللاً كبيراً لا بد من توضيح أسبابه من جانب النيابة العامة المالية.

وبدأت المشكلة مع الحاجة إلى إجراء فحوصات مخبرية إبان جائحة كورونا لكل من يدخل الأراضي اللبنانية. واقترحت وزارة الصحة تولّي فريق من الجامعة اللبنانية هذه المهمة، وحدّد الوزير كلفة الفحص بـ 50 دولاراً عن كل مسافر بدلاً من 100 دولار كانت خمسة مختبرات خاصة عرضتها مقابل تقديمها هذه الخدمة.

وكُلّفت المديرية العامة للطيران المدني بتحصيل العائدات وتحويلها إلى حساب الجامعة اللبنانية بالدولار في مصرف لبنان.

لكنّ تقاعس المديرية وجشع شركات الخدمات الأرضية في المطار دفعاها لحجز المبالغ المحصّلة، وافتعال مشكلة مع الجامعة اللبنانية لدفعها لتحصيل أموالها من الشركات مباشرة، بواسطة شيكات أو مبالغ نقدية. وتحرّك النائب العام لدى ديوان المحاسبة على خلفية تحقيقات صحافية وحلقات تلفزيونية وإذاعية تناولت الملف، ورصد المخالفات المالية والإدارية في مذكّرة التفاهم الموقّعة بين الأطراف الثلاثة: وزارة الصحة، المديرية العامة للطيران المدني، والجامعة اللبنانية.

وفي ما يتعلق بتغريم رئيسَي الجامعة اللبنانية، استغرب طعمة عدم الالتفات إلى «الجهد الاستثنائي الذي بذله فريق الجامعة في تقديم الخدمة، وبالتالي ضرورة تشجيع الجامعة على القيام بهذا النوع من الخدمات، وهو أمر متاح وفقاً لأحكام نظامها، ليس فقط لدعم الطلاب والتطبيق العملي للأبحاث العلمية، إنما أيضاً لمساندة الإجراءات الحكومية خلال الأزمات».

وسأل: «هل كان على الجامعة حقاً الاستحصال على موافقة ديوان المحاسبة المسبقة في ظل هذه المعطيات والظروف، خصوصاً أنها لم تصرف أي مبالغ مالية من ميزانيتها، أي من المال العام، إنما كانت «تدخّل» عائدات إلى الجامعة فحسب؟».

وتجدر الإشارة إلى أن شركات الخدمات الأرضية الخاصة العاملة في مطار بيروت هي الجهة الوحيدة التي استفادت من مهام منوطة بالإدارات والمؤسسات الرسمية، ولا تزال حتى الساعة تحجز مبالغ عائدة للجامعة جرى قبضها فعلياً عند بيع تذاكر السفر كبدل للفحوصات الإلزامية عن كل مسافر.

وقد كلّفت هذه الشركات، التي تملك شركة طيران الشرق الأوسط واحدة منها، مديرها العام محمد الحوت خلال الفترة الماضية بمهمة الدفاع عن حجز تلك الأموال ومحاولة تبرير عدم تسديد المبالغ إلا بالليرة اللبنانية. هذه المحاولات لفرض شروط القطاع الخاص المحميّ والنافذ على الإدارات والمؤسسات كشفت حقيقة أن المال العام في لبنان هو مال غير محميّ. فالمعادلة التي أرساها الحوت هي أنه توجد أموال لدى الشركات ولكن لن يصار إلى تسليمها إلّا مقابل إبراء ذمتها.

وكان بإمكان وزراء الأشغال العامة والنقل القيام بالكثير للضغط على الشركات الخاصة، مثل إصدار أوامر تحصيل لمطالبة الشركات بالأموال، لكن ذلك لم يحصل، والمفارقة أن ديوان المحاسبة اختار أن لا يغرّمهم.

الجامعة اللبنانية وكادرها الأكاديمي والإداري يبقيان الضحية الأكبر في هذه المعادلة، إذ وجدت الجامعة نفسها عاجزة عن تحصيل مستحقاتها. وقد جرت إحاطة لجنة التربية النيابية بأن الأمر انتهى، ووافقت الجامعة اللبنانية على التسوية، وقبضت المستحقات بغير الدولار «الفريش» خلافاً لواقع الحال، رغم أن الملف لا يزال في عهدة النيابة العامة المالية التي عليها الضغط على الشركات الخاصة لفرض تسديدها مبالغ عائدات الفحوصات التي اعترفت بوجودها لديها مع الفوائد من تاريخ حجز هذه الأموال.

الملف لا يزال حتى الساعة عالقاً بين الإهمال والاستفادة، ففي حين استفادت الشركات الخاصة من هذه الأموال ولا تزال، حان الوقت لإنهاء سطوتها على المبالغ عبر النيابة العامة المالية، فاسترداد حقوق الجامعة اللبنانية هو بيد النائب العام المالي الذي يستطيع أن يختم مسيرته القضائية التي تنتهي في 10 نيسان المقبل، بنصرة الجامعة اللبنانية.