الانتخابات البلديّة في بعلبك: التوافق رهن “المستقبل”

| لينا فخر الدين |

على مدار 27 سنة، خيضت الانتخابات البلديّة والاختياريّة في بعلبك بمُسميّات حزبيّة _ عائليّة، أكثر منها إنمائيّة. ودائماً ما أولت الأحزاب هذه الانتخابات اهتماماً ربطاً بالنتائج التي تتحوّل إلى مدلولاتٍ في السياسة، وخصوصاً أن المدينة تُعد خزاناً شعبياً لحزب الله، وتضم وجوداً سُنياً واسعاً سعت فاعلياته سابقاً إلى رفع لواء المعارضة في وجه الحزب تحت عناوين سياسيّة مثل «مُصادرة» قرار المدينة.

مع ذلك، لم تتمكّن الرموز السنيّة والشيعيّة المناهضة لخيار حزب الله وحركة أمل من تحقيق خرق في الدورات الثلاث الأخيرة؛ وانتهت المعارك بفارقٍ بسيط (وصل إلى نحو 1500 صوت في الانتخابات الأخيرة) لمصلحة «الثنائي». علماً أنّه ينتظر أن يُشارك في الاستحقاق أكثر من 16 ألف ناخب، موزعين على أكثر من 10 آلاف شيعة ونحو 6 آلاف سنّة.

غير أن الظروف التي أنتجتها الحرب الإسرائيليّة الأخيرة، واقتصار اهتمام تيّار المستقبل بعد عودته عن الانكفاء السياسي على انتخابات بيروت وطرابلس وصيدا، تدفع المعنيين إلى مُحاولات إرساء توافق وتجنيب المدينة معارك شرسة، مع التركيز على الإتيان بوجوهٍ جديدةٍ وكوادر لها حيثيّاتها العائليّة.

وهو ما يسعى إليه حزب الله وحركة أمل اللذان بدآ اتصالات للتوصّل إلى لائحة ائتلافيّة تضمّ معظم الأحزاب الفاعلة وتحسم الفوز من دون معركة حقيقيّة. وهو ما أشار إليه أخيراً مسؤول قيادة منطقة البقاع في الحزب حسين النمر، بأن الحزب يسعى إلى توافق على «بلدية شاملة تحقّق الفوز بالتزكية في بعلبك، ما ينعكس إيجاباً على بلدات وقرى المنطقة»، لافتاً إلى «أنّنا سنتعاون مع المجتمع لاختيار نخبة نزيهة وقادرة على تقديم الخدمة في كل بلدة تحت شعار التوافق».

وتؤكد مصادر محلية أن حزب الله «متحمّس للتوافق مع الحرص على حفظ التوازنات العائليّة لتشكيل لائحة من 21 عضواً (13 شيعياً و7 سُنّة ومسيحي)، من دون أن تكون التركيبة متطابقة بالضرورة مع ما حدث عام 2016، أي 13 عضواً محسوبين على حزب الله من بينهم حصّة «البعث»، و8 أعضاء لـ«أمل» من ضمنهم حصّة «جمعيّة المشاريع الخيريّة الإسلاميّة» و«القومي»، خصوصاً أنّ معظم الأسماء التي كانت في المجلس سابقاً ستغيب مبدئياً في الدّورة الحاليّة.

«تركيبة الثنائي»

ووفقاً للمعلومات، بدأ المعنيون ببلورة نواة للتحالف قائم على المداورة في الرئاسة بين آل طفيلي (3 سنوات) وآل مرتضى (3 سنوات)، بحسب عرفٍ لتداول الرئاسة بين العائلات الشيعيّة الكُبرى.

مع ذلك لا يبدو مضمون هذا العُرف محسوماً، إذ ثمّة من يُشير إلى أنّ «الثنائي» المهتم بالوقوف على خاطر العائلات واحترام قرارها، يُريد ضمان ترشيحات إلى الرئاسة بأسماءٍ تختارها العائلات، وتتّسم بمواصفات تتلاءم وطبيعة العمل البلدي والحضور الشعبي. كما يحرص «الثنائي» على التمثيل المسيحي رغم قلّة الناخبين (لم يتعدّ 120 ناخباً عام 2016).

يتمسّك حزب الله باتفاقٍ مع «جمعيّة المشاريع» منذ الدّورة الماضية، بأن يؤول منصب نائب الرئيس إلى «المشاريع» ويتردّد اسم المرشّح يونس الرفاعي، فيما يشير معنيون إلى إمكانيّة المداورة في منصب نائب الرئيس أيضاً، الرفاعي وذلك «رهن النقاش وبلورة التركيبة في اللائحة والتحالفات القائمة»، على حد تعبير أحد المسؤولين الحزبيين.
هل ينخرط «المستقبل»؟

ويُقصد بهذه التّحالفات، تحديد مصير تحالف الأحزاب مع الفاعليات السنيّة السياسيّة والاجتماعيّة، وخيار «تيّار المستقبل» بين خوْض المعركة في وجه لائحة العائلات المدعومة من «الثنائي» أو تفضيله البقاء على خياراته السابقة في دعم اللائحة المناوئة.

ويُردّد متابعون أنّ «الحريريين» أبلغوا مسؤوليهم بأنّهم غير معنيين بخوْض المعركة بالمباشر، بعدما تلقّوا نصيحة من مفتي بعلبك، الشيخ بكر الرفاعي بتجنيب المدينة معركة في ظلّ الأجواء السائدة والعمل على لائحة توافقيّة.

وهو ما ينفيه مسؤولون في «المستقبل» يؤكدون أنّ قرار خوْض المعركة لم يُحسم بعد، ويشددون على أنّ «المشكلة مع اللائحة المدعومة من الثنائي ليست في الحصص ولا في السياسة، وإنّما في ذهنيّة تقسيم الولاية بين رئيسين ما يُعرقل تنفيذ المشاريع، إضافةً إلى غياب العناوين الإنمائيّة والتركيز على التوجّهات السياسيّة، بطريقة لا تُفيد المدينة على مستوى الخدمات والرؤية».

كذلك يُنقل عن المفتي الرفاعي في لقاءاته مع أبناء المدينة أنّه لا يتدخّل في تفاصيل الانتخابات والتحالفات، وأنّه «على مسافة واحدة من الجميع، وأن أمر التوافق، على إيجابيّته، ليس بيده وإنما بيد الأحزاب المعنيّة التي تُقرّر بنفسها خياراتها».

نقاط ضعف المُعارضين

وعليه، لا يبدو أنّ «المستقبل» قد يجنح إلى تحالفٍ مع «الثنائي» مع ما يترتّب عن هذا التحالف من «إحراجٍ» سياسي على المستوى العام. في حين، يعتقد آخرون أنّ دخول «المستقبل» في لائحة مضادة يبدو صعباً لوجود عقبات كثيرة في وجه تشكيل لائحة مُعارضة تتمتّع بقوّة ناخبة شبيهة بالدورات السابقة.

وأبرز هذه العقبات، ما يؤكّده متابعون حزبيون في المدينة عن تحوّل في الحراك الشعبي في البيئة الشيعيّة، بعدما أصبحت الحرب الإسرائيليّة جرحاً مفتوحاً أنتجَ التفافاً حول الحزب حتّى من معارضيه الذين يؤكد بعضهم عدم رغبتهم في مواجهته والمُشاركة في حملة تطويقه.

كذلك يلفت المتابعون إلى ضعف اللائحة المُفترضة بسبب وفاة اثنين من رموزها الأساسيين، غالب ياغي ومحمد بلوق، وعدم نيّة حكمت عواضة الترشّح هذا العام (حصد نحو 6 آلاف في انتخابات 2016، بفارق 700 صوت عن أوّل الفائزين في لائحة الثنائي).

غياب هؤلاء الأقطاب الشيعة الثلاثة عن اللائحة المُعارضة التي دائماً ما كانت تتشكّل من رموز العائلات السياسيّة التقليديّة، قد يُفقدها قوّة الاستقطاب الشعبيّ التي كانوا يمتلكونها، إضافةً إلى ما يتردد عن عدم قدرة بقية الرموز على التفاهم مع رئيس البلديّة السابق سهيل رعد، الذي ينوي الترشّح مرّة ثانية، والأرجح هذه المرّة أن تكون من خارج «جبَّة الثنائي»، كي ينضم إلى ائتلافهم.

غياب هؤلاء الأقطاب الشيعة الثلاثة عن اللائحة المُعارضة التي دائماً ما كانت تتشكّل من رموز العائلات السياسيّة التقليديّة، قد يُفقدها قوّة الاستقطاب الشعبيّ التي كانوا يمتلكونها والقدرة على استقطاب مرشحين شيعة ذوي وزن شعبي، إضافةً إلى ما يتردد عن عدم قدرة بقية الرموز على التفاهم على اسم الرئيس، مع عضو المجلس البلدي السابق سهيل رعد، الذي ينوي الترشّح مجدداً، والأرجح هذه المرّة من خارج «جبَّة الثنائي»، على أن ينضم إلى ائتلافهم.

فيما لم يؤكّد رعد انضمامه إلى أي لائحة، في ظل انتظار بعض المرشحين، بمن فيهم المعارضون، على إيجاد صيغة للتفاهم مع «الثنائي» قبل تشكيل لائحة أي لائحة أُخرى.

تضعضع «الصوت السني»

في المقابل، تختلف النّظرة إلى الشارع السني الذي كان يتحكّم بنتيجة الاستحقاق. ففي عام 1998، قلب «صندوق» حي آل صلح المُعادلة وأنهى الاستحقاق لمصلحة غالب ياغي على حساب لائحة «الثنائي».

وبينما يؤكّد متابعون في المدينة أنّ جزءاً من أصوات آل الرفاعي سيصب لمصلحة مرشّحهم، يونس الرفاعي، لكوْن عدد لا يُستهان به من العائلة ينتمي تنظيمياً إلى «المشاريع» (نحو 800 صوت)، فإن الأزمة ستكون في عائلة صلح التي تُعدّ العائلة الأكبر في المدينة، والتي يُستبعد أن تلتف حول مرشّح واحد.
ويقول متابعون إنّ المُناخ السياسي داخل العائلة تغيّر كُلياً بين ما كان عليه في عام 2016 واليوم. فبعدما كان كثر من وجهاء العائلة ومشايخها من المُعارضين لسياسة «الحزب»، دعموا في الانتخابات النيابية الأخيرة لائحة «الوفاء للمقاومة» التي ضمّت النائب ينال صلح.

هذا التحوّل في مزاج عدد من فاعليات آل صلح أرخى بظلاله على «العصب الحامي» لسنّة بعلبك، إضافةً إلى تلاشي مركزيّة القرار لدى العائلة مع كثرة مرجعيّاتها، والتغيّر الاجتماعي الذي انعكس على الواقع السياسي، كما على الإمكانات الماليّة وشحّ دعم السفارات العربيّة… وكلّ ذلك أرسى نوعاً من التضعضع في «الصوت السني» وعدم توحّده في مواجهة لائحة حزب الله، كما كان يحصل سابقاً.

والأمر نفسه يعاني منه تيّار المستقبل الذي يقرّ بعض مسؤوليه بأنّه لم يعد كما في «سنوات المجد»، بعدما أدى غياب «الحريريين» الفعلي عن المدينة، واعتكاف الرئيس سعد الحريري، إلى تراجع نفوذ التيار، ما يوحي بأنّه غير قادر على «ضب» السُنّة تحت جناحيْه في حال قرّر خوْض المعركة بالمباشر.

إلا أن ذلك لا ينفي أن «الزرق» لا يزالون يتمتّعون بقوة على السّاحة السنيّة البعلبكيّة، ولهم حُكماً تأثير في توجيه القاعدة الشعبية في الوجهة التي يختارونها. لذلك، سيدرس «المستقبل» بهدوء مآلات المعركة التي تُخاض بأولويّات عائليّة، قبل قراره الانخراط في لائحة توافقيّة تحسم النتيجة قبل فتح الصناديق، أو خوْض معركة إثبات الموقف المُعارض لـ«لائحة قريبة من السياسة، بعيدة عن الإنماء»، على حد تعبير مسؤوليه.