| غاصب المختار |
كان من الطبيعي أن تُطلق “جهات مجهولة” بضعة صواريخ، قديمة العهد بحسب الخبراء، من جنوب لبنان نحو مستوطنات الأراضي الفلسطينية المحتلة، في ظل الجو المحموم القائم بين لبنان والكيان الإسرائيلي وفي عموم المنطقة، وفي ظل ما يتم إعداده للبنان والمنطقة من مشاريع تطبيع، تسعى الإدارة الأميركية والكيان المحتل إلى تمريرها بالدبلوماسية وبالنار، عبر طلب إجراء مفاوضات مباشرة، ليس بهدف إنهاء التوتر في الجنوب، بل للهدف الأبعد وهو التطبيع.
لذلك تُثار الأسئلة عمّن له مصلحة في استعادة التوتر عبر الصواريخ العشوائية والقصف المتبادل، لكن بالتأكيد لا مصلحة لـ”حزب الله” في فتح جبهة الجنوب مجدداً في هذه المرحلة، وليس هذا أسلوبه كما أثبتت تجارب السنوات الطويلة الماضية في إيذاء العدو، حيث أكدت مصادره أنه ما زال ملتزماً آلية اتفاق وقف إطلاق النار منذ سريانه. كما أفادت معلومات ان الحزب أبلغ رئيسي الجمهورية والحكومة بأنه غير معني بما جرى في الجنوب، وبأنه حريص على وقف إطلاق النار وهو خلف الدولة اللبنانية ويرفض العودة إلى التصعيد.
وهنا يبرز احتمالان: الأول أن يكون إطلاق الصواريخ من جهة فلسطينية كـ”فشّة خلق” نتيجة تجدد المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة، ولو أنها لن تؤدي إلى نتيجة بوقف العدوان، بل هي مجرد رسالة أن المقاومة الفلسطينية للاحتلال مستمرة بكل الطرق.
الاحتمال الثاني، المرجح، هو أن يكون العدو الإسرائيلي قد أوعز إلى عملائه في لبنان ـ وهم كثر ومجهّزون بكل وسائل إثارة التوتر ـ لإطلاق الصواريخ عشوائياً وبحيث لا تصيب أهدافاً في المستعمرات، لإعطاء حجة للاحتلال لاتهام “حزب الله”، ولتصعيد الضغط العسكري على لبنان المقرون بالضغط السياسي الأميركي، للامتثال للمطالب الاميركية والإسرائيلية.
وسواء صَحّتْ هذه السيناريوهات والاحتمالات أو لم تصحّ، فإن الخطاب اللبناني الرسمي والسياسي بأن “حزب الله” لم يلتزم بآليات اتفاق وقف إطلاق النار وتنفيذ القرار 1701 ولم يقتنع بعد بسحب السلاح من شمالي نهر الليطاني، كما يريد الأميركي والإسرائيلي، يُعطي كيان الاحتلال مزيداً من الذرائع لمواصلة عدوانه على لبنان، بل وتصعيده أكثر كما هدّد جيش الاحتلال، بينما هو لم يكن أصلاً بحاجة لأي ذريعة لأنه لم يلتزم بتطبيق ما يترتب عليه من اتفاق وقف إطلاق النار منذ لحظة سريانه قبل ثلاثة أشهر.
ثلاثة أشهر والعدو ينتهك السيادة اللبنانية في الجو والبحر وعلى الأرض، والدولة تلهث وراء محاولات دبلوماسية لوقف الانتهاكات بلا نتيجة. لكن، أيّاً كان من أطلق الصواريخ ومهما كانت أسبابه، فالنتيجة واحدة: لا استقرار نهائياً في لبنان والمنطقة في ظل اختلاف المصالح والأهداف والأساليب بين دول الإقليم وقواها الشعبية والسياسية، ما يُوجِب تغيير الخطاب اللبناني الرسمي، وتغيير أسلوب العمل، لا التسليم بالضعف والعجز أمام الضغط الأميركي. وكذلك الضغط على لجنة الإشراف على اتفاق وقف إطلاق النار لتغيير أسلوبها المتراخي في التعاطي مع العدوان، ولو عمد لبنان إلى مقاطعة اجتماعاتها.
أي كلام آخر، يعني تسليماً بحجج العدو وباستمرار العدوان وسقوط الشهداء والجرحى ومزيداً من التدمير الممنهج، ما يفتح المجال لمزيد من التوتر بدخول جهات على خط التوتير وافتعال أحداث تفيد الاحتلال وتؤذي أهل الجنوب.