| راجانا حمية |
أصدرت قاضية الأمور المستعجلة في صور يولا العضيمي قراراً بوقف الأشغال لبناء نادٍ للضباط في عقارات محاذية لمحمية شاطئ صور إثر شكوى تقدّمت بها جمعية «الجنوبيون الخضر».
إبان حرب الإسناد في الجنوب، اقتُلعت عشرات الأشجار في منطقة الشواكير المحاذية لمحمية شاطئ صور الطبيعية، المصنّفة بيئية وأثرية، لإقامة نادٍ للضباط. عندما بدأت الأشغال، لم تكن معروفة ماهية المشروع، لكنه أثار الريبة، فوجّهت جمعية «الجنوبيون الخضر» كتباً إلى وزارتي البيئة والثقافة والنيابة العامة البيئية للاستحصال على أجوبة حول دراسة الأثر البيئي وتراخيص المشروع.
وفيما كانت الجمعية والناشطون في مبادرة «حماية شاطئ ومحمية صور» يتحركون نحو المعنيين، كانت الأشغال تسابق الريح وتشكّل مشروعاً سياحيّاً عملاقاً يحجب المدينة عن البحر، ويهدّد محمية شاطئ صور والمواقع الأثرية والبيئية. واستناداً إلى ما أمكن تجميعه من معلومات، فإن المخطط المنوي تنفيذه هو عبارة عن نادٍ للضبّاط، ملحق به فندق و«صفّ» طويل من عشرات المحالّ التجارية على أرض تملكها الدولة اللبنانية وخصّصتها للجيش للإفادة منها في أغراض دفاعية وعسكرية. لكن، وزارة الدفاع على ما يبدو استعاضت عن ذلك بالأغراض الترفيهية.
وبحسب «الجنوبيون الخضر»، فقد «لزّمت وزارة الدفاع المشروع لشركة أس آي أس لصاحبها سلوان صاليني بنظام الـBOT لإقامة نادٍ للضبّاط مع توابعه» على العقارات 1504، 1570، 1571، 1572، 1573، 1574، 1575، 1197، 1198 من منطقة الشواكير. وحتى الآن، رغم «انتفاضة» الناشطين البيئيين والجمعيات في وجه المشروع، إلا أن أحداً لم يستطع معرفة تفاصيله التي «لا تزال غامضة، إذ لا نعرف طبيعة العقد بين المستثمر ووزارة الدفاع ولا ماهية العلاقة بين الطرفين»، وفق رئيس «الجنوبيون الخضر» هشام يونس.
بغضّ النظر عن رغبة وزارة الدفاع بالترفيه عن الضباط، إلا أنها «دعست» في المكان الخطأ. إضافة إلى أن هذه العقارات تشكّل منطقة عازلة لمحمية شاطئ صور، فإن عقاراتها مصنّفة بيئياً وأثرياً، ما يُعدّ مخالفة واضحة لقوانين تنظيم الأملاك العمومية وحماية البيئة والآثار، إذ لا توجد دراسة أثر بيئي للمشروع بحسب مصادر وزارة البيئة.
كما أن الأشغال تجري في «الأراضي الرطبة» التي يحظر العمل فيها وفقاً لأحكام معاهدة «رامسار» الدولية للحفاظ على المناطق الرطبة، باعتبارها واحدة من 4 مناطق في لبنان كله تشكّل موئلاً للطيور المائية. ويلفت يونس إلى أن أي «تعدّ على هذه الأراضي يهدّد النظام البيئي الفريد للمنطقة ويؤثّر على التوازن الطبيعي».
وفيما ينص قانون إنشاء المحميات على ابتعاد أي نشاط تنموي داخل المنطقة العازلة بين 200 و500 متر عن المحمية، فإن جزءاً من الإنشاءات «لا يبعد أكثر من 20 متراً وفي بعض الأمكنة 6 أمتار».
وفي ما يتعلق بمخالفة قانون الآثار، فقد أجرت المديرية العامة للآثار بالتعاون مع جامعة سابينزا الإيطالية والجامعة اللبنانية مسوحات أثرية عام 2019 بيّنت أن هذه المنطقة تحتوي على بقايا أثرية تعود إلى العصر البرونزي والحديدي، إضافة إلى الفترات الرومانية والبيزنطية. ووثّقت الدراسة 20 موقعاً أثرياً محتملاً ضمن نطاق منطقة الشواكير، ما يستدعي تنقيبات إضافية لضمان حماية الإرث الثقافي الموجود. وإلى ذلك، يشكّل المشروع تهديداً جدياً لتصنيف مدينة صور كموقع مُدرج على قائمة التراث العالمي لليونيسكو، إذ إن أي تغيّر في الشروط يمكن أن تتبعه إعادة نظر في التصنيف.
مسؤولية الوزارات
بدأ المشروع في عهد الحكومة السابقة بالتزامن مع العدوان الإسرائيلي، فلم يكن تحرّك الوزارات على قدر المتوقّع. لذلك، كان التوجّه باستعادة الحراك مع العهد الجديد، فأعادت «الجنوبيون الخضر» توجيه كتاب إلى وزيرة البيئة تمارا الزين التي تشير معلومات إلى أنها كلّفت خبيراً بيئياً للكشف على الموقع وإعداد تقرير. وهذا ما يحتسبه البعض «دعسة ناقصة»، لأن لوزارة البيئة سلطة وقف الأعمال ريثما تتضح كل الأمور ومنها دراسة تقييم الأثر البيئي. أما وزارة الثقافة، فثمّة توجّه لدى المعنيين في المديرية العامة للآثار إلى العمل وفق الآلية التقليدية بتحييد المواقع الأثرية ضمن العقارات، وهو ما يرفضه الناشطون مستندين إلى تجربة سابقة غير مشجّعة في مرفأ عدلون، «حيث لم يمنع التحييد تشويه المنطقة».
لذلك، يطالب هؤلاء وزير الثقافة غسان سلامة، الذي اطّلع في زيارته الأخيرة للجنوب على الأشغال الجارية، بتصنيف المنطقة كاملة لحماية النظم البيئية والآثار الظاهرة والمحتمل ظهورها مع الوقت.