| ميرنا عمار |
هوت العملة التركية أمام نظيرتها الأميركية، في تعاملات الأربعاء، حيث تجاوزت حاجز 40 ليرة للدولار، وذلك للمرة الأولى على الإطلاق، وارتفع سعر الدولار بنسبة 9.9% إلى 40.3541 ليرة. وتم تعليق التداولات في بورصة اسطنبول بعد انخفاض مؤشرها الرئيسي بنسبة 6.87%.
ويأتي ذلك بعد أن أعلنت السلطات التركية اعتقال رئيس بلدية اسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، بتهم تتعلق بقيادة عصابة متورطة في الفساد والرشاوى.
السياسة النقدية في تركيا تحت المجهر في السنين المنصرمة
كانت الانتخابات التركية في آذار 2024 بمثابة خطوة أخرى في الاستراتيجية التي بدأت في عام مع تشديد الظروف المالية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والحد من التضخم الجامح وتعزيز أسس الاقتصاد الكلي للبلاد.
وطرحت تركيا البرنامج الاقتصادي التركي في منتصف عام 2021 لتعزيز الصادرات والعمالة والاستثمار والتصنيع. وخفض البنك المركزي سعر الفائدة الرئيسي من 19٪ إلى 8.5٪ بين أيلول 2021 أيار 2023 لتحقيق هذه الأهداف. وكانت النتيجة انخفاضاً بنحو 60٪ في قيمة الليرة التركية مقابل الدولار الأميركي خلال هذه الفترة، وزيادة التضخم من 19.3٪ في آب 2021 إلى 85.5٪ في تشرين الأول 2022.
ولم يكن لانخفاض قيمة الليرة التركية التأثير المقصود على الحساب الجاري، على الرغم من الأهداف الأصلية للبرنامج الاقتصادي التركي. من حيث القيمة الاسمية، زادت الصادرات التركية بنسبة 13.4٪ بين عامي 2021 و2023 بينما زادت الواردات بنسبة 33٪. ونتيجة لذلك، اتسع العجز التجاري إلى 106 مليار دولار (9.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي) في عام 2023، بزيادة قدرها 60 مليار دولار عن عام 2021 (46 مليار دولار، 6٪ من الناتج المحلي الإجمالي).
كما تمكنت الشركات التركية من الاستفادة من القروض ذات التكلفة المنخفضة خلال فترة أسعار الفائدة الحقيقية السلبية، مما عزز من نشاطاتها على الرغم من ارتفاع معدل التضخم في البلاد.
على الرغم من زيادة نفقات العمالة بنسبة 270٪ بين عامي 2021 و2023 كان هناك انفجار واسع في الإنتاج، وتمكنت الشركات مع ذلك من الحفاظ على أرباحها بسبب بيئة أسعار الاقتراض المنخفضة للغاية.
وتوقع المحللون استمرار فك نظام الودائع المحمية بالعملة الأجنبية، مدفوعاً بانخفاض الطلب المحلي على العملة الأجنبية وسط تحسن توقعات استقرار سعر الصرف، ولكن سيظل الأمر تدريجياً نظراً للتأثير السلبي المحتمل على استقرار سعر الصرف واحتياطيات النقد الأجنبي في حال ارتفع الطلب على العملة الأجنبية بشكل حاد.
ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من الشكوك حول قدرة تركيبة السياسة الحالية في تركيا على إحداث انخفاض طويل الأجل في معدل التضخم. وقد تنخفض ثقة المستثمرين إذا لم يتم تحسين اتساق السياسة النقدية.
عودة لتاريخ إنهيارات العملة التركية
-العملة التركية وأزمة الديون 2018:
هي أزمة مالية عصفت بتركيا ولا زالت مستمرة حتى يومنا هذا، وذلك بسبب التداعيات الدولية التي لحقت ومسَّت البلد عقب عملته ووصولها لمراحل متدنية للغاية لم يسبق وأن وصلت لها.
تميَّزت هذه الأزمة التي ضربت عمود اقتصاد تركيا بإغراق قيمة الليرة التركية مقابل باقي العملات على رأسها اليورو والدولار، كما تميزت الأزمة بارتفاع التضخم وارتفاع تكاليف الاقتراض مقابل التخلف عن سداد القروض.
خلال حملة الانتخابات العامة التركية، انتشرت بعض من نظريات المؤامرة التي شجعتها فكرة معاداة السامية، حيث ادعى الكثير من بينهم محللون كبار أن تراجع قيمة الليرة التركية راجع بالأساس إلى مجموعة غامضة ومجهولة تتكون من أميركيين، بريطانيين، هولنديين وبعض العائلات اليهودية الثرية التي تُحاول حرمان الرئيس الحالي أردوغان من الحصول على الدعم والتأييد في الانتخابات المقبلة. ووفقا لاستطلاع للرأي أُجري في نيسان/أبريل من عام 2018 فإن 42% من الأتراك و59% من منتخبي حزب العدالة والتنمية يرون أن تراجع العملة التركية سببه مؤامرة كبرى نفذتها وخططت لها قوى أجنبية.
-أزمة 2020:
وفقدت الليرة حوالي عام 2020 0.5 بالمئة لتسجل 7.8 مقابل الدولار، وبلغ سعرها 7.7950 ليرة في الساعة 15:03 بتوقيت غرينتش.
وسبق أن لوحت واشنطن بفرض عقوبات بسبب منظومة الصواريخ إس-400، التي اشترتها تركيا العام الماضي، لكنها لم تستخدمها حتى الآن.
-أزمة 2021:
وتجاوزت نسبة تراجع الليرة عام 2021 الـ8%، إلا أن تدخل المركزي حد من خسائر العملة لتستقر عند مستوى 16.3 ليرة مقابل الدولار.
وتدخل البنك المركزي في سوق العملات مرات عدة خلال أسبوعين وباع دولارات لإبطاء تراجع الليرة مما أدى إلى تآكل احتياطياته الأجنبية المستنزفة أصلاً.
وتسارعت وتيرة انهيار الليرة التركية مع كل قرار اتخذه البنك المركزي التركي بخفض الفائدة على الليرة التركية حيث تراجع سعر الليرة الى أكثر من 17 ليرة مقابل الدولار يوم 17 ديسمبر/كانون الأول 2021.
-أزمة 2023:
كما سجلت العملة التركية سنة 2023 هبوطاً صارخاً، وصل إلى الـ23 أمام الدولار الأميركي الواحد، ما أطلق تساؤلات عن سر هذا الانخفاض المتسارع بعد الانتخابات، والخيارات التي سيتبعها وزير الخزانة والمالية، محمد شيمشك.
ووفقا لوكالة “بلومبيرغ” قد يكون الانخفاض القياسي آنذاك علامة على أن المعدل يتم تحريره تدريجياً مع إدارة الاقتصاد الجديد بقيادة محمد شيمشك.
وتبقى العين متفتحة اليوم على واقع الليرة التركية التي، بعد الأزمات المتلاحقة التي شهدتها، تستمر في الإنخفاض الجنوني مقابل السلاح الأميركي الأقوى: الدولار.
ويكمن السؤال في مدى سيطرة العلاقات الثنائية بين تركيا وأميركا، التي تزعجها علاقة الود بين أردوغان وبوتين، على إقتصاد تركيا، ومدى قدرته على النهوض بعد سنين متتالية من الضربات.
وهل حقاً سبب الإنحفاض الجنوني الأخير هو أكرم إمام أوغلو، أم مزاج الرئيس الأميركي هذه الفترة؟.