| فرح سليمان |
كشفت التطورات الأخيرة على الحدود السورية اللبنانية، وتحديدًا في منطقة جرود الهرمل في البقاع، أبعاداً سياسية وعسكرية معقدة تحمل في طياتها الكثير من التوترات التي قد تؤثر على توازن القوى في المنطقة، وفيما تتصاعد الاتهامات تجاه “حزب الله” على خلفية اشتباكات بين مسلحين سوريين وعشائر لبنانية، تطفو مجددًا تساؤلات حول دور الحزب في الأحداث الحدودية وكيفية تعاطيه مع الوضع في سوريا.
إشارات جديدة لمرحلة تصعيدية؟
اتهمت وزارة الدفاع السورية، في 16 آذار، “حزب الله” بخطف وقتل ثلاثة من عناصر الجيش السوري على الحدود مع لبنان، حيث اتهم البيان الرسمي لوزارة الدفاع السورية الحزب بتدبير “كمين” على الحدود السورية اللبنانية، مما أدى إلى اختطاف الجنود السوريين الثلاثة وقتلهم بعد نقلهم إلى الأراضي اللبنانية.
ورغم أن “حزب الله “نفى بشكل قاطع هذه الاتهامات، مؤكدًا عدم تورطه في هذه الحادثة، إلا أن الحادثة تثير تساؤلات حول تداعيات أي تدخل عسكري محتمل للحزب في هذا السياق، بخاصة أن “حزب الله” لطالما كان جزءًا من المعركة السورية إلى جانب النظام السوري منذ عام 2011.
السياق التاريخي: من الدفاع عن لبنان إلى التدخل الإقليمي
منذ بداية الأزمة السورية، كان تدخل حزب الله في سوريا تفاعلًا تدريجيًا مع الأحداث، حيث بدأ الحزب في البداية بدور دفاعي يتماشى مع عقيدته العسكرية التي تهدف إلى حماية الأمن اللبناني.
ومع مرور الوقت، تطور هذا التدخل ليصبح أكثر شمولية بعد عام 2013، حيث بدأت الجماعة اللبنانية تعمل بشكل أكثر تنسيقًا مع النظام السوري، وكان ذلك في إطار مواجهة المعارضة السورية، خصوصاً في المناطق الحدودية،إلا أن انخراطه في القتال ضد المعارضة السورية قد أصبح أمرًا لا يمكن إغفاله في تحديد استراتيجية الحزب الإقليمية.
فالتواجد العسكري لـ”حزب الله” في سوريا لم يكون مقتصرًا على حماية المناطق “الشيعية” أو الدفاع عن مصالح الطائفة، بل تطور ليشمل أهدافًا إقليمية واضحة، ويظهر ذلك من خلال مشاركته في معارك محورية مثل معركة القصير عام 2013 (تحرير مدينة القصير في ريف حمص الجنوبي الغربي من “الإرهابيين”)، وحفظ خط مدّ الحزب بالأسلحة عبر سوريا، التي شكلت نقطة تحول مهمة في مسار الأزمة السورية.
إلى جانب ذلك، تثير الاشتباكات الأخيرة تساؤلات حول ما إذا كان حزب الله قد قرر الانتهاء من مرحلة “التريث والصمت” التي تحدث عنها أمينه العام الشيخ نعيم قاسم، بعد فترة طويلة من الحذر والترقب في مواجهاته العسكرية، ومع تصاعد التوترات على الحدود اللبنانية السورية، يبدو أن الحزب قد يضطر إلى اتخاذ خطوات أكثر وضوحًا في تعامله مع التهديدات الأمنية الإقليمية.
ومن خلال هذا التصعيد على الحدود، يمكن ملاحظة أن هناك تداخلًا بين الأبعاد المحلية والإقليمية في مشاركة حزب الله.
ورغم تباين التصريحات، فإن الأحداث الأخيرة تكشف عن وجود حالة من الالتباس وعدم اليقين حول طبيعة مشاركة الحزب في الصراع السوري، وهو ما قد يزيد من تعقيد الوضع على الحدود اللبنانية السورية ويعكس التحديات التي تواجه “حزب الله” في الحفاظ على توازن القوى في المنطقة في ظل الاستفزازات المتكررة.
في النهاية، لا يمكن فصل ما يحدث على الحدود عن السياق الإقليمي الأوسع، والذي يشمل الصراعات في الشرق الأوسط وتأثيراتها على التحالفات العسكرية والسياسية.