الحريري على مفترق خطير: انصياع.. أم تمرّد؟

/محمد حمية/

يقِف الرئيس سعد الحريري، مجدداً، أمام مُفترق طرق، وتحدٍ جديد يفرض عليه اتخاذ قرار سيترك انعكاسات وتداعيات على وضعه السياسي والشخصي والعائلي، وعلى من يمثل من تيار سياسي، وجمهور سني عام منقسم على نفسه، تضيع قياداته ومراجعه السياسية والدينية بين اتجاهات وتوجهات وسياسات متعددة، متباعدة حيناً ومتضاربة في كثير من الأحيان.

السعودية، الراعي والحاضن لقسم وازن من سنة لبنان، نجحت في انتزاع موقف من دار الفتوى بدعوة الطائفة السنية للاقتراع بكثافة للوائح المدعومة من المملكة والمناهضة لحزب الله وللعهد الحالي، لكن الأنظار تتجه إلى الحريري الذي تؤكد المعلومات أنه لم يتخذ قراره بعد، ويقاوم حتى اللحظة “أمراً ملكياً” ممهوراً بتهديد، نُقل إليه على عجل عبر دولة الإمارات، بتوجيه دعوة علنية لتياره السياسي وعموم الشارع السني إلى الاقتراع لمن تريده المملكة.

تريد القيادة السعودية من “الزعيم السني” الأقوى في لبنان، أن يعمل كـ”مدير” في العملية الانتخابية، وتسييل رصيده الشعبي في مختلف الدوائر، في سوق صرف حزب  “القوات اللبنانية” والرئيس فؤاد السنيورة وقوى أخرى موالية لها.

لم تعُد خافية الضغوط السعودية التي تمارس على الحريري للسير بتوجهاتها السياسية والانتخابية، منذ إجبار “السعد” على تعليق أعماله السياسية والانتخابية.. فبعد تمرد الحريري، تحولت جريدة “عكاظ”، القريبة من القيادة السعودية، إلى “بريد ساخن” لتوجيه الرسائل السياسية والأمنية للحريري، إذ شنّت الصحيفة هجوماً لاذعاً على رئيس “المستقبل”، على دفعتين متتاليتين، حملت تهديدات واضحة.

جهات عليمة تؤكد المعلومات التي تم تداولها عن طلب السعودية من الحريري، عبر الإمارات، العودة إلى لبنان، وتوجيه خطاب مباشر للسنة، يدعوهم للمشاركة في الانتخابات بكثافة، أو خطاب من مكان إقامته في الامارات.

فهل تؤدي الضغوط لإجبار الحريري على تنفيذ الإملاء السعودي، مقابل إعادة تعويمه مالياً وسياسياً؟ وهل سيُقايض الحريري مكتسبات مالية وسياسية تُشبه “شيكات بلا رصيد”، بالتصويت لمن غدر به وكان شريكاً في الحرب والتصفية السياسية التي تعرض لها؟ وماذا لو لم يخضع زعيم “المستقبل” للتهديدات السعودية ورفض طلب المملكة؟

تشير أوساط سياسية الى أن “حملة عكاظ تركت ردة فعل غاضبة في الشارع السني، مع عتب وغضب على السعودية من أسلوب التعامل مع الحريري”. لكن العالمين  بطبيعة السياسية السعودية في لبنان، يرجحون أن يبقى رأس الحريري تحت المقصلة، في ظل عهد ولي العهد في المملكة.

وتنقل المعلومات اعتراض الحريري على ما أوردته “عكاظ”، مؤكداً أنه لم يبِع دم والده، بل استمر في تمويل المحكمة الدولية رغم أحكامها السياسية، وأنه جنَّب لبنان فتنة مذهبية كادت لا تبقي ولا تذر. كما يضيف الحريري أنه لطالما استجاب للمطالب السعودية إلى حد الانتحار السياسي عام 2009 بزيارته إلى سوريا ولقائه الرئيس بشار الأسد. أما التسوية الرئاسية عام 2016، فينقل الحريري أنه لم يُخالف التوجهات السعودية، بل استشار المملكة قبل أن يُقدم، ولم يلقَ أي اعتراض أو ممانعة، بل قِيل له يومذاك “اعمل إلي بتريدو لكن أنت تتحمل المسؤولية”.

فهل يُقدم الحريري على دعوة السنّة للاقتراع، ويرضخ للمطلب السعودي؟ أم يُحجم ويتمرد؟

يرى المطلعون أن الحريري أمام خيارات صعبة، وهو مكبل اليدين، ومقيد الخيارات، وتؤخذ عائلته رهينة، ولم يشفع له قراره الانكفاء عن الساحة السياسية والانتخابية، بل يُحمّل طلبات أكبر مما يحتمل… تريد السعودية أن يوقّع الحريري مرسوم إعدامه بيده، وإطلاق رصاصة الرحمة على نفسه، بعدما تكفلت “البندقية السعودية” بشل أطرافه، فيما يقول المطلعون على أحوال الحريري وما يدور في بنات أفكاره، أنه يرفض حتى اللحظة دعوة السنّة للتوجه الى صناديق الاقتراع يوم 15 أيار، فليس من السهل على الحريري أن يرى “الأصوات الزرقاء” تصب في صناديق من غدر به عند “الحاكم السعودي”، وأهون عليه الخروج من الإمارات الى دولة عربية أخرى، من تجرع هذا الكأس. لكن، وإن استجاب الحريري للضغوط وخاطب السنة للمشاركة في الانتخابات، فسيكون “مجبراً أخاك لا بطل”، وسيتكرر مشهد احتجازه في “الريتز” حين تلا بيان استقالته بالإكراه.

يحاول الحريري استغلال الغضب السني المرافق لمحاولة “القوات” اختراق الساحات السنية، بما يصب في حملة التعاطف معه، لكن المطلعين على الساحة السنية يشيرون الى استنفار سني مترافق مع ضياع وتشتت وانقسام بين المراجع، على مستوى مفتي الجمهورية والمفتين والمشايخ في المناطق والمرجعيات السياسية.. ففي حين يقف “الحريريون” في خندق التمرد، يتموضع السنيورة والرئيس نجيب ميقاتي والمفتي عبد اللطيف دريان مع التوجهات السعودية، فيما اختار الرئيس تمام سلام النأي بالنفس.. فهو “ماسك واجب” مع الحريري ويتحاشى إغضاب السعودية، لذلك قرر خفض رأسه للرياح العاتية والسفر إلى بريطانيا حتى تضع الحرب أوزارها وينجلي غبار المعرك.

إزاء هذا الواقع كيف سيصوّت السنة؟

المطلعون يرجحون برودة في الإقبال السني على الانتخاب لأسباب عدة. فهناك جزء من السنة ينضوي في فريق المقاومة من الوزير السابق عبد الرحيم مراد ورئيس تيار الكرامة فيصل كرامي وقوى إسلامية ووطنية وقومية. وهناك تيار “المستقبل” الذي يُشكل الشريحة السنية الأكبر حتى اليوم، والذي سينقسم بين من يلتزم بتوجيهات الحريري ويرفض الاقتراع، وآخر سيضعف أمام المال الانتخابي والسياسي السعودي ـ الخليجي الوفير.

ويتوقع المطلعون ألا تتعدى نسبة الاقتراع في الدوائر ذات الثقل السني الـ 27 في المئة، وهذا ما يعكسه رفع رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط سقف خطابه السياسي، ما يترجم الخشية من خسارة النائب مروان حمادة مقعده وهو الذي يمثل التوجه الأميركي و”الوديعة” السعودية في كتلة جنبلاط، لصالح فوز الوزير السابق وئام وهاب.

وتخلص المصادرإلى التأكيد أن الصوت السني سيكون بيضة القبان في أكثرية الدوائر، لا سيما زحلة ـ البقاع الأوسط، والبقاع الغربي ـ راشيا وعكار وطرابلس وبيروت وزغرتا ـ الكورة ـ البترون ـ بشري وصيدا ـ جزين وبعلبك ـ الهرمل، وبالتالي الحاسم في خريطة المجلس النيابي الجديد.

ثمّة من يقول إن الحريري لم ولن ينتهي بهذه السهولة، فالرجل لا يزال الرقم الصعب في الطائفة السنية، رغم أنه لا يزال محتجزاً في السجن السعودي، وإن الحريري سيعود من رحم التحولات على الساحتين الإقليمية والدولية التي ستنعكس على لبنان عاجلاً أم آجلاً، حيث سيكتشف أن خصومه السياسيين يحفظون له دوره وموقفه برفض عروض الفتنة المذهبية ومشاريع المواجهة يُدفع إليها.