“الشراع” الفرنسي.. و”الديزل” الأميركي!

| جورج علم |

يحمل الإعصار الأميركي ـ الإسرائيلي غباراً كثيفاً يحجب الرؤية حول حاضر المنطقة، ومستقبلها. لم يبلغ مداه بعد، ولم يرسم معالم حدود واضحة لمطامعه ومطامحه، مع كلّ صباح مطلب جديد، ومع غروب كلّ شمس وسادة من القلق تتكىء عليها أنظمة مترنّحة.

كانت القمة العربيّة الطارئة في مصر حاجة، وضرورة. لم تغيّر مجرى الريح، لكّنها سجّلت موقفاً. لا تريد مواجهة الإجتياح ـ وقد لا يكون لديها القدرة، ولا المصلحة على الإقدام ـ لكن لا تريد بالمقابل التسليم بكل ما يُملى عليها من قرارات وخيارات. قالت ما عندها، وما يمكن أن تقدمه لغزة، وتركت المجال متاحاً للتلاقي على كلمة سواء، بديلاً عن الإستمرار بغطرسة الإستقواء.

سارعت كلّ من فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا إلى الترحيب بقرارات القمة، وأبدت إستعدادها لدعم مشروع إعادة إعمار القطاع، من دون تهجير سكّانه، لكن الإبتسامة الصفراء كانت ماثلة على وجوه كثيرين في المنطقة والعالم “وكأن الأعرج قد جاء ليسعف كسيحا”!
ويلتقي التوافق الأوروبي، مع الموقف العربي، لإنقاذ مصالح مشتركة مهددة بقوّة الإعصار.

أولها: الشراكة الأوروبيّة ـ المتوسطيّة بأبعادها الإنسانيّة، والإقتصاديّة، والأمنيّة، والإستراتيجيّة. هذا المشروع الأورو ـ متوسطي، قد إستهلك الكثير من الوقت والجهد، كي يخطو خطوات عملانيّة على أرض الواقع، ويكتسب صفة الضرورة، لتحقيق المنفعة المشتركة.
هذا المشروع مستهدف اليوم من الثنائي الأميركي ـ الإسرائيلي. لا يريد الرئيس دونالد ترامب شريكاً مزاحماً له على إقتسام خيرات المنطقة، خصوصاً إذا كان المنافس غربيّاً، وأوروبيّاً بالتحديد. يريد أن يكون وحده الآمر الناهي، المطلق الصلاحيّة في المنطقة، ولذلك يوسّع مدى الشرخ بحيث لا يبقى محصوراً ضمن ضفتي الأطلسي، بل يتوسّع ليشمل ما بين الضفتين الأوروبيّة ـ المتوسطيّة.

ثانياً: يسعى الأميركي ـ ومعه الإسرائيلي ـ إلى أن يكون شريكاً لمصر في الإشراف على الحركة التجاريّة عبر قناة السويس. قد لا يحظى هذا الممر المائي الإستراتيجي بالأهميّة التي تحظى بها قناة بنما، بالنسبة للرئيس ترامب، ولكن وزير خارجيته ماركو روبيو يقول “إن تحويل غزّة إلى ريفييرا الشرق الأوسط، لا يمكن أن يتمّ، إلاّ إذا كانت الممرات المائية، من قناة السويس إلى مضيق هرمز إلى باب المندب، تحت مظلّة أمنيّة موثوقة”.

ثالثاً: الإصرار الأميركي ـ الإسرائيلي على تهجير الغزّاويّين إلى مصر، والأردن. ويتعاطى الطرفان مع القمّة العربيّة الطارئة، وكأنها لم تنعقد. ويتجاهلان تماماً القرارات التي صدرت عنها. ويصرّان على أن يكون لسيناء دور ووظيفة لتحقيق مشروع الإبعاد، على أن يصار إلى البحث في الهندسات التنفيذيّة عندما تكون القاهرة مستعدة للجلوس إلى الطاولة.

رابعاً: الحدّ من الدور الأوروبي السلس في العالم العربي، وتحديداً في منطقة الخليج، إنطلاقاً من مصر، كونها بوابة العبور إلى غزّة، وإلى معظم العواصم العربيّة، وإلى التجارة العالميّة عبر السويس، وصولاً إلى البحر الأحمر.

إن الأضرار التي أحدثتها “الجائحة الترامبيّة ” في أوروبا، والعالم العربي، وضعت المستهدفين في الخندق الواحد، وكان من الطبيعي أن تتآزر الجهود، وتتلاقى الإرادات، دفاعاً عن المصالح، وللحدّ من الخسائر، والحفاظ على ما قد يكون ممكناً من مواقع النفوذ.

ولا يشكّل لبنان الإستثناء، وقد كان حاضراً، وشريكاً مشاركاً في القمّة العربيّة الإستثنائيّة، لكن بعض الأشقاء الأعضاء في اللجنة الخماسيّة العربيّة ـ الدوليّة، ينصح بإنتهاج الحكمة، والتروي، والتبصر، وعدم وضع كامل البيض اللبناني في السلّة الأميركيّة، مهما إشتدت الضغوط، وعلا سقف التقديمات والمغريات. ينصح بفرنسا، ودورها، وحضورها في المشهد اللبناني، منطلقاً من الآتي:

أ ـ إنها دولة، وليست جمعيّة خيريّة. وصاحبة مصلحة، ولكنها ليست جشعة كما هي الولايات المتحدة. ومؤمنة إيماناً عميقا بكيانيّة لبنان، وإستقلاله، وسيادته على كامل أراضيه، بخلاف الولايات المتحدة التي لها وجهة نظر من هذه الشعارات، والدليل أنها الشريك المشارك والداعم للعدوان الإسرائيلي، ولعبثه المتمادي في السيادة اللبنانيّة، إنطلاقاً من الجنوب.

ب ـ تبقى فرنسا ـ رغم تراجع دورها ونفوذها ـ دولة نووية كبرى، صاحبة حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي، إلى جانب الولايات المتحدة، وروسيا، وبريطانيا، والصين. وتربطها بلبنان علاقات تاريخيّة لها نكهة خاصة مميّزة، يفترض الحرص عليها كضمانة للبقاء، والإستمرار أمام الزلزال الأميركي ـ الإسرائيلي الذي يضرب المنطقة، والمعدّ إعداداً جيّداً، وعن سابق تصوّر، وتصميم.

ج ـ إن التنافس المشترك، الأميركي ـ الإسرائيلي، على بحر لبنان، وسوريا، وحقول الغاز والنفط، يشكّل هدفاً بارزاً، من بين أهداف أخرى للمخطّط الذي تنفّذه تل أبيب بالتكافل والتضامن مع واشنطن، سواء في ظلّ الإدارة الديمقراطيّة السابقة، أو الإدارة الجمهوريّة الحاكمة راهناً.

لقد تمنّى رئيس الجمهورية جوزاف عون، في وقت مضى، أن تعود شركة “توتال” للعمل في الحقول اللبنانيّة النفطيّة المنتشرة في المياه الإقليميّة. لكن هل يسمح الأميركي، والإسرائيلي؟ هل سيفسحان المجال، ويسهّلان المهمّة؟يبقى الجواب مصادراً في دائرة الإلتباس!

ما من شك أن رأياً عاماً يقرّ، ويعترف، بأن العهد لم يكن “صناعة لبنانيّة”، بقدر ما كان “صناعة أميركيّة ـ سعوديّة”، بموافقة عربيّة ـ أوروبيّة ـ دوليّة. وفي ظلّ هذا الإجتياح المتمادي، تأتي نصيحة من كواليس الخماسيّة العربيّة ـ الدوليّة تقول إنه “قد يكون من المفيد أن يتحرّك المركب اللبناني بقوة الديزل الأميركي، لكن عليه أن يبقي على الشراع الفرنسي حتى لا يخطىء شاطىء الأمان، إذا ما إشتدّ الإعصار، وتجاوزت الأمواج العاليّة حدود إتفاقية الهدنة، وضمانات القرار1701!