السلطة في إختبار السيادة!

| فرح سليمان |

في ظل التصعيد الإسرائيلي المتزايد على الحدود الجنوبية، تبدو الدولة اللبنانية عاجزة عن اتخاذ موقف حاسم يحمي سيادتها ويحدّ من الانتهاكات المستمرة، فالعدوان الإسرائيلي الذي يأخذ أشكالًا متعددة، من القصف إلى عمليات الاغتيال والخروقات الجوية، لا يقابله سوى ردود فعل خجولة من السلطة، التي تبدو محاصرة بين ضغوط الداخل واستحقاقات الخارج.

منذ انطلاق الحكومة الجديدة، وجدت السلطة نفسها أمام تحديات كبرى، كان أبرزها التصعيد على الحدود الجنوبية، وهو ملف يضعها أمام اختبار حقيقي لمدى قدرتها على فرض حضورها السياسي والدبلوماسي.

ومع ذلك، لم تحرّك الدولة ساكنًا، مكتفية بالمناشدات والتصريحات والتنديدات، التي لا تترجم إلى خطوات عملية، فعلى الرغم من الضغوط التي تمارسها جهات لبنانية على الولايات المتحدة للحدّ من العدوان الإسرائيلي، لم تلقَ هذه المطالبات أي استجابة تُذكر.

إتفاق ضمني؟

وفي سياق المساعي الدبلوماسية، لا تبدو الاجتماعات والزيارات المتكررة أكثر من بروتوكولات شكلية لا تلزم الاحتلال بأي خطوات جدية نحو التهدئة، فـ”إسرائيل” تستمر بانتهاكاتها، من دون أن تواجه أي ضغط دولي حقيقي لوقف عدوانها.

ما يثير التساؤلات هو غياب أي رد دبلوماسي حازم من قبل السلطة اللبنانية، وكأن هناك اتفاقًا ضمنيًا على تمرير هذه الانتهاكات من دون تصعيد، ورغم تأكيدات المسؤولين اللبنانيين ضرورة انسحاب الاحتلال من النقاط الخمس المحتلة، إلا أن الموقف الرسمي لا يتعدّى التذكير بالثوابت الوطنية، من دون أي مبادرات ملموسة للضغط الدولي الفعلي على الكيان المحتل.

المفارقة أن مواقف السلطة اللبنانية تبدو وكأنها تماهي ضمني مع الضغوط الأميركية و”الإسرائيلية”، سواء عبر التساهل في مواجهة خروقات الاحتلال أو من خلال سياسات داخلية تراعي الشروط التي تفرضها واشنطن، من دون إعلان رسمي عن أي التزام بذلك، هذا النهج يجعل لبنان مجرد ورقة في معادلات إقليمية ودولية لا تخدم مصلحته.

الاحتلال يتمدد

ميدانياً، يواصل الاحتلال الإسرائيلي خروقاته، حيث شهد القطاع الشرقي، خصوصاً في سهل الخيام ومنطقة سردا، أعمال حفر لخنادق تمتدّ لسبعة كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية، بعضها يبعد كيلومتراً كاملاً عن السياج الحدودي.

وفي كفركلا، حيث ودّع الأهالي شهداءهم وسط أنقاض بلدتهم، حيث كانت جرافات الاحتلال تواصل عمليات التجريف، بينما فرضت قوات الاحتلال منطقة أمنية جديدة، مانعةً أي اقتراب منها.

المشهد تكرّر في العديسة والخيام، حيث استحدث العدو مواقع عسكرية جديدة، وأقام تحصينات مشددة.

وفي القطاع الأوسط، عمد الاحتلال إلى قطع طريق مركبا – حولا بالكامل، بعد إقامة موقع عسكري جديد هناك،

ورغم خطورة هذه التطورات، لا يزال الموقف اللبناني الرسمي خجولاً، فيما تتعامل قوات “اليونيفيل” معها كأمر واقع لا يستدعي تصعيداً دبلوماسياً، وبينما يواصل الاحتلال تغيير معالم الحدود.

ما يجري على الحدود الجنوبية يكشف عن أزمة حقيقية في إدارة السلطة اللبنانية للملفات السيادية، فبين عجزها عن الرد على تصعيد الإحتلال، وصمتها أمام الضغوط الأميركية، يجد لبنان نفسه في موقف الضعيف الذي لا يملك سوى انتظار ما يُفرض عليه.

إن استمرار هذه السياسة سيؤدي إلى مزيد من التآكل في هيبة الدولة، وإلى فقدان لبنان لدوره كطرف قادر على فرض معادلات جديدة في الصراع القائم، خصوصاً مع انتخاب رئيس جمهورية جديد يحظى بتفائل شعبي كبير، فهل ستتحرك السلطة قبل فوات الأوان، أم ستبقى رهينة المساومات والضغوط الدولية؟!