الأربعاء, ديسمبر 17, 2025
spot_img
spot_img
spot_img
الرئيسيةSliderالبيت اللبناني... و"هندسة" الشرق الأوسط الجديد!

البيت اللبناني… و”هندسة” الشرق الأوسط الجديد!

spot_img
spot_img
spot_img
spot_img

| جورج علم |

زار رئيس الحكومة نواف سلام الجنوب، تجوّل، شاهد، عاين، وإستمع، قبل أن يعود إلى مكتبه. يفترض أن تكون قد توافرت عنده بعض الأجوبة. هل الأولويّة للتحرير، وإرغام العدو على الإمتثال إلى قرار وقف إطلاق النار، ووضع حدّ لعربدته، والإنسحاب من المواقع التي لا يزال يتحصّن بها.. أم للإعمار، وإعادة بناء ما تهدم، وإعادة الناس إلى منازلها، وأرضها؟ أم للحاجتين معاً؟

سارع إعلامه الرسمي إلى وضع الأولويات على خط مستقيم، تجنّباً للتراتبيّة، أو لتفضيل ملف على آخر. أما التنفيذ فهو في عهدة الممكن، والمتاح، بحيث أن الحكومة مسؤولة عن معالجة كل هذه الأولويات، وفق ما يتوافر لديها من إمكانات، وأي تقدم يمكن إحرازه في أيّ مضمار، هو مكسب. وأيّة أولويّة يمكن معالجتها، ستوفّر حتما قوة دعم لمعالجة الأولويات الأخرى.

حصلت “همهمة” في صفوف المقاومة. التحرير ـ من منظارها ـ أولويّة. هناك شهداء سقطوا. وشهداء يسقطون بصورة شبه يوميّة، وعربدة عدوانيّة متعجرفة، لا تقيم وزنا للإتفاقيات، والتفاهمات، ولا للقرارات الدوليّة، وبالتالي أي تفكير بإعادة الإعمار، في ظلّ وضع أمني متفلّت، وأهداف مضمرة مشؤومة، سيكون كمن يبني صرحاً فوق رمال متحركة، ينهار مع أول ريح عاتية تضرب الكثبان المتحرّكة.

الغالبيّة لها رأي مختلف، تدعم الحكومة في تطلعاتها، وما ترسمه من مسارات إنقاذيّة، كونها حكومة خطاب القسم، والبيان الوزاري، وحكومة الأمل بالإنقاذ، والإصلاح، ولذلك لا يجوز محاصرتها بمطلب “التحرير أولاً.. أو بؤس المصير”!

وتكمن المعضلة، بالإمكانات المتوافرة، وليس بما يريده هذا الفريق، أو ذاك. ذلك أن الآراء والمطالب، معروفة ومتداولة، ولكن من أين نأتي بالعطّار لإصلاح ما أفسده الدهر بهذا اللبنان، كيلا نقول ما أفسده أهله به، قبل الآخرين؟

هناك وقائع، وحقائق لا يمكن للحكومة أن تتجاهلها:
أولاً ـ هناك رئيس في البيت الأبيض، يشغل العالم بمطالبه، وأسلوبه، وتحالفاته. ولذلك نرى الدول – من كبيرها حتى صغيرها ـ معجوقة، تعيد النظر بطاقاتها، وإمكاناتها، وأولوياتها، وتحالفاتها، لحماية مصالحها.

بركان متفجر ينفث بغضب كبير رذاذ السيطرة، والهيمنة، من دون رادع، حجّته “أميركا أولاً”، ولأنها “أولاً” بنظره، يجب أن تفرض أحكامها المتطابقة مع مصالحها على الآخرين… ومن دون إعتراض!

ثانياً ـ هذا الرئيس النهم، المنفعل، يدعم بشكل مطلق، رئيس وزراء “إسرائيل”، بالدولارات، والأسلحة، والتقنيات، الخبرات، والمخابرات، ومن دون عوائق. ويكيل كلّ منهما المديح للآخر، شعارهما “شرق أوسط جديد” يريده دونالد ترامب تحت وصايته، متحرّراً من النفوذ الإيراني، والصيني، والروسي، والتركي، وأوكل إلى بنيامين نتنياهو مهمة التنفيذ بالحديد، والنار، متفلتاً من كل العقوبات، ومن المعايير التي قام عليها النظام العالمي بعد الحرب العالمية الثانية.

ثالثاً ـ إن البيت العربي الواقع ما بين المدارين، الأميركي والإسرائيلي، يعاني من تصدّعات نتيجة العصف الذي يحاصره. يستيقظ على وقع ما يجري في غزّة، والضفّة، ولبنان، وسوريا، و… ليدرك بأن المصير والمستقبل في أرجوحة الأقدار، وليس المهم أن تتوصل قمة القاهرة إلى تدبيج قرار. رفوف جامعة الدول العربيّة مكدّسة بآلاف القرارات الصادرة منذ نكبة فلسطين، ولغاية الآن، وبقيت حبراً على ورق. البيت العربي أمام مصير مجهول. لا يكفي توجيه اللوم إلى بعض أهله العابثين بمقدراته، بل يجب معرفة كيفية التعاطي مع العواصف التي لها أطماع، وأهداف، ومآرب تحاصره من كل حدب وصوب، وتنذر بسقوطه.

رابعاً ـ إن لبنان من ضمن المنظومة. عضو في الجامعة، وما يصيبه، يصيب غزّة، والضفة، والقضيّة الفلسطينيّة، وساحات المحور الممانع، وسوريا التي هي الآن في ظلّ مشهد متغيّر.

حصلت في هذا اللبنان، وحوله، متغيرات ثلاثة:
أ ـ لم يعد هناك من لجنة خماسيّة متكافلة متضامنة على مؤازرته. هناك الولايات المتحدة صاحبة القرار، وفرنسا المتراجع دورها نظراً لعلاقاتها المتأرجحة مع البيت الأبيض، والمملكة العربيّة السعودية صاحبة الدور الناهض والفاعل، وقطر التي لها حساباتها، ومقارباتها، ومصر التي تحمل من الأثقال والأوزار ما يُنهك مقدّراتها.

ب ـ إن العهد ـ رئيساً ورئيساً للوزراء وحكومة ـ مدين للولايات المتحدة، وللسعوديّة، مع مراعاة الأعضاء الآخرين في الخماسيّة. وبالتالي إمكانات هذه الحكومة في معالجة الملفات الصعبة، محصورة بتلك التي تقدمها كل من واشنطن والرياض.

أمّا التعويل على الوحدة الوطنيّة، والتآزر، والتعاضد… إلى ما هنالك… ما هو إلاّ لون من ألوان التكاذب الوطني. تكون الوحدة الوطنية منيعة، عندما تكون الجهات الخارجيّة التي تلعب بالملعب اللبناني الداخلي، متوافقة في ما بينها، أو في “إستراحة محارب”.

ج ـ إن وقف إطلاق النار أميركي. صياغته أميركيّة. ضمانته أميركيّة. واللجنة الأمنيّة المشرفة على حسن تطبيقه برئاسة جنرال أميركي. والمعادلة التي إنطلقت مع “طوفان الأقصى”، وتشقّعت مداميكها إبّان “حرب الإسناد” قد إنتهت إلى ما أنتهى إليه الواقع العسكري، والسياسي، والميداني، وحشر لبنان في الزاوية التي يتحكّم بها الأميركي من جهة، والإسرائيلي من جهة أخرى.

زار نواف سلام الجنوب، وعاد بإنطباعات. كيف سيواجه التحديات؟

الجواب المستقطع من الغرف الدبلوماسيّة مفاده “إن المواقع التي لا تزال تحت الإحتلال، حلّها مرتبط بمشروع الشرق الأوسط الجديد، وبالحسابات الأميركيّة ـ الإسرائيليّة المفتوحة مع إيران”.

قال نتنياهو وهو يشكر صديقه ترامب: “الأسلحة التي حصلنا عليها تكفي لإنجاز المهمّة”… ترى أيّة مهمّة؟!

spot_img
spot_img
spot_img

شريط الأحداث

مقالات ذات صلة
spot_img
spot_img