
| محمد خواجوئي |
بعد سبعة أشهر من تسلُّم مسعود بزشكيان مهامّ منصبه رئيساً للجمهورية في إيران، وتشكيله حكومة «وفاق وطني»، يبدو أن تصاعد المشكلات الاقتصادية، خصوصاً في ظلّ غياب أيّ أفق لحدوث انفراجة في علاقات طهران الخارجية، بعد تفعيل إدارة دونالد ترامب سياسة «الضغوط القصوى»، ساهم في انتهاء فترة «شهر العسل» لحكومته. وفي ضوء ذلك، أصبح استجواب البرلمان لوزير الاقتصاد، عبد الناصر همتي، وإقالته، جنباً إلى جنب استقالة المساعد الإستراتيجي لرئيس الجمهورية، محمد جواد ظريف، مؤشراً إلى دخول بزشكيان وإدارته مرحلة جديدة وصعبة. وكان البرلمان الإيراني صوّت بالأغلبية، أولَ أمس، وخلال جلسة استجواب همتي، لمصلحة إقالة الأخير، الذي وقيل إن واحداً من أهمّ أسباب استجوابه، تمثّل في تأرجح أسعار صرف العملة الأجنبية، وتراجع قيمة العملة الوطنية، وأزمة التضخّم، فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع الأساسية.
ومع بداية عهد بزشكيان، في نهاية تموز الماضي، بلغ سعر صرف الدولار 60 ألف تومان إيراني، فيما يبلغ الآن نحو 93 ألفاً، ما أدّى استتباعاً إلى ارتفاع أسعار السلع. وعلى هذه الخلفية، ثمّة مَن يتّهم إدارة بزشكيان بعدم الكفاءة في حماية قيمة العملة الوطنية، فيما تقول الحكومة ومعها رئيس الجمهورية إن تزايد الضغوط الخارجية، ولا سيما بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض وتفعيله سياسة الضغوط القصوى، يقف وراء انهيار قيمة العملة الوطنية، وتالياً ارتفاع الأسعار. وقال بزشكيان، الذي حضر إلى البرلمان للدفاع عن وزيره، إن البلاد «في حالة حرب، ومع مجيء دونالد ترامب وتوقيعه قانوناً، تمّت مقاطعة وحظر الكثير من سفننا في البحر، التي لا ندري كيف تفرّغ شحناتها من النفط والغاز».
ولفت إلى أنه «حتى قطر وتركيا والعراق، لا تُعيد المستحقات الإيرانية بالدولار على خلفية العقوبات والضغوط الأميركية»، معدّداً الأزمات المتتالية التي مرّ بها هو وإدارته، منذ بدء مهامّ عملها: «في اليوم الأول لمجيئنا، قتلوا إسماعيل هنية. ومن ثم حلّت غزة ولبنان وترامب، كل منها قضية. إنّنا نخوض حرباً من العيار الثقيل مع العدو».
وبعد ساعات من إقالة وزير الاقتصاد، قالت وسائل إعلام إيرانية إن المساعد الإستراتيجي لرئيس الجمهورية، محمد جواد ظريف، قدّم خطاب استقالته من منصبه إلى بزشكيان. وتُعدّ هذه هي المرّة الثانية التي يستقيل فيها ظريف من منصه، إذ كان أعلن في وقت سابق أنه طالب بتنحيته على خلفية كون أبنائه يحملون جنسية مزدوجة.
ومع ذلك، استمرّ في عمله على رغم التجاذبات داخل البرلمان حول «عدم شرعية هذا التعيين». وفي هذا الشأن، کتب ظريف، عبر صفحته في موقع «إنستغرام»: «أوصاني رئيس السلطة القضائية، خلال اجتماع معه يوم أمس (الأحد)، بالعودة إلى الجامعة لمنع المزيد من الضغط على الحكومة، وتقبّلت الأمر على الفور»، مضيفاً: «أتمنّى أن يكون رحيلي سبباً في رفع ذرائع عرقلة مطالب الشعب ونجاح الحكومة».
وكان بزشكيان، وفي ضوء تعيين وجوه من مثل عباس عراقجي وزيراً للخارجية، وظريف مساعداً إستراتيجياً له – وكلاهما اضطلعا بدور رئيسي في إبرام الاتفاق النووي بين إيران والقوى الدولية إبّان رئاسة حسن روحاني عام 2015 -، بصدد تنفيذ سياسة الانفراجة مع الغرب، بيدَ أن التطوّرات المتلاحقة، ولا سيما لجهة تصاعُد حدّة المواجهة بين إيران وإسرائيل، وتولّي ترامب السلطة في الولايات المتحدة، وتكثيف الضغوط الأوروبية على الجمهورية الإسلامية على خلفية دعمها روسيا في الحرب الأوكرانية، حالت دون المضيّ قُدماً في السياسة الخارجية المنشودة.
وممّا قال بزشكيان أمام البرلمان في هذا الخصوص، إنه كان موافقاً على إجراء محادثات مع أميركا، لكنه وبعد معارضة المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، استجاب لموقفه. وإذ تُظهر هذه التصريحات الاختلاف بين رؤيتي بزشكيان وخامنئي، يبدو أن استقالة ظريف، وعلى رغم أنها جاءت في الظاهر استجابةً لقانون حظر تعيين مزدوجي الجنسية، لكن سببها الرئيسي يكمن في تبدُّل المشهد السياسي، والذي لم يعُد يحتمل كثيراً نشاط أشخاص من مثل ظريف، ممَّن ينادون بالحوار والمحادثات مع الغرب.
وعلى الرغم من أن بزشكيان فاز في الانتخابات الرئاسية باعتباره مرشّح التيار الإصلاحي، فهو مضى في اتجاه تشكيل حكومة وفاق وطني تضمّ وجوهاً مختلفة من التيارات الإصلاحية والأصولية والمعتدلة، فيما أسهم تعاون رئيس الجمهورية مع رئيس البرلمان، محمد باقر قاليباف، الذي يُعدّ شخصية معتدلة في التيار الأصولي، وكذلك كسْب الأول دعم المرشد الأعلى الإيراني، في أن ينال جميع أعضاء حكومته ثقة البرلمان. لكنّ تزايد المشكلات في الواقع المعيشي، والسياسة الخارجية، أدّى إلى تصاعُد الضغوط على إدارة بزشكيان، وصولاً إلى إقصاء البرلمان وزير الاقتصاد، والذي قرئ كمؤشّر إلى انتهاء فترة الوفاق الوطني. وبعد إقالة البرلمان لهمتي، قال مساعد رئيس الجمهورية، علي ربيعي، إن فكرة الوفاق الوطني للتعاطي بين الحكومة والبرلمان قد انتهت، ونصح بزشكيان بتوطيد الوفاق مع المجتمع وتعميقه، قائلاً: «بزشكيان سيواجه مستقبلاً أياماً أصعب».
من جهته، رأى الصحافي أحمد زيد أبادي، في صحيفة «هم ميهن» الإصلاحية، أن «استجواب عبد الناصر همتي، أظهر أن النواب لا يتحلّون بإدراك صحيح لجذور المشكلات الاقتصادية للبلاد، ويوصلون، بهذا النوع من الممارسات، فكرة الوفاق الوطني إلى نقطة النهاية». أمّا صحيفة «جوان» القريبة من «الحرس الثوري»، فقد انتقدت تصريحات محمد علي أبطحي، أحد السياسيين الإصلاحيين الموالين لحكومة بزشكيان، والتي دعا فيها باقي أعضاء الحكومة إلى أن يتعلّموا الدرس «وألّا يرضخوا للوفاق من طرف واحد». وكتبت: «الوفاق والصداقة هما نظرية أخلاقية بامتياز، ونظرية متينة قابلة للتحقق على أرض الواقع، شريطة ألا يصدر المحيطون بالسيد رئيس الجمهورية الأوامر بالفرقة في أيّ حقبة زمنية وأيّ حادث، وألّا يقولوا للحكومة أن تقلب طاولة الوفاق. أن نقول: لا ترضخوا للوفاق من طرف واحد، هو كلام يمكن للطرف الآخر أن يتفوّه به في هذه الفترة الزمنية بالذات، وأن يطالب الحكومة بأن تكون على وفاق مع البرلمان إن قرّر عزل وزير ما!».














