| فرح سليمان |
شكّل مشهد تشييع الأمينين العامين لـ”حزب الله” الشهيد السيد حسن نصر الله والشهيد السيد هاشم صفي الدين، حدثًا سياسيًا تخطّى كونه مجرد مراسم وداع لشخصية قيادية، ليعكس دلالات استراتيجية على المستويين المحلي والإقليمي، فقد جاء هذا الحدث في ظل تصعيد كبير في المنطقة، مما يجعل قراءته تمتد إلى أبعاد أعمق ترتبط بمستقبل الحزب، والتوازنات في لبنان، والسياسات الإقليمية.
رسائل الحشود الجماهيرية
كان الحضور الشعبي الكثيف في الجنازة رسالة واضحة بأن نصر الله لم يكن مجرد زعيم سياسي أو عسكري، بل رمز لمشروع أوسع تتبناه شريحة واسعة من اللبنانيين.
هذه الحشود، التي تدفقت من مختلف المناطق اللبنانية، وحتى من خارج الحدود، أكدت أن الحزب لا يزال يتمتع بقاعدة جماهيرية متماسكة، على الرغم من التحديات العسكرية والمالية والسياسية التي يواجهها لبنان.
لكن تبقى التساؤلات قائمة حول ما تعكسه هذه الحشود: فهل تمثّل قوة الحزب الفعلية أم أنها مجرد استجابة عاطفية مرتبطة باستشهاد نصر الله؟ ربما يكون الأمر مزيجًا من الاثنين، لا سيما في ظل المرحلة المفصلية التي يمر بها “حزب الله”، مع التغيرات في قيادته والضغوط المتزايدة داخليًا وخارجيًا.
المشهد الإقليمي والدولي
إقليمياً، كانت للتشييع أبعاد سياسية بارزة، إذ حضر ممثلون رسميون من إيران والعراق وسوريا واليمن، ما عكس وحدة هذا المحور والتزامه بنهج المقاومة بعد رحيل نصر الله، وحملت تصريحات المسؤولين الإيرانيين خلال التشييع إشارات واضحة بأن العلاقة بين “حزب الله” وطهران لم تتغير، بل ربما تتعزز في المرحلة المقبلة.
وبينما حاول “حزب الله” تأكيد استمرارية مشروعه رغم فقدان قائده، جاءت الرسائل الإسرائيلية لتُظهر أن المواجهة لم تنتهِ، بل ربما تدخل مرحلة أكثر حساسية.
هذه المفارقة تعكس أيضًا تأكيد “إسرائيل” على تفوقها الجوي والاستخباراتي، إذ لم تكتفِ بالتحليق الاستفزازي، بل نشرت مقاطع فيديو توثّق لحظة تنفيذ الاغتيال، كرسالة واضحة مفادها أن الحزب لا يمكنه حماية رموزه حتى في أكثر الأوقات حرجًا، لكن التجارب السابقة أظهرت أن الحزب يمتلك هيكلية تنظيمية تجعل استمراريته غير مرتبطة بشخصية واحدة.
على الصعيد الداخلي، يثير اغتيال نصرالله مخاوف بشأن مستقبل التوازنات السياسية في لبنان، إذ كان يمثل نقطة تلاقٍ داخل الحزب ويمتلك قدرة على المناورة والتفاوض مع مختلف الأطراف، ومع تولي قيادة جديدة، يبرز تساؤل حول مدى قدرة الحزب على الحفاظ على نهجه السياسي، وما إذا كانت التحديات ستفرض عليه تغييرات في استراتيجيته وتعاطيه مع المشهد اللبناني.
كما أن مسألة “الكاريزما” والقدرة على التأثير الجماهيري ستكون عاملًا حاسمًا في مدى نجاح القيادة المقبلة في الحفاظ على وحدة الصف داخل الحزب وقاعدته الشعبية، إذ إن غياب شخصية بمستوى نصر الله قد يفتح الباب أمام انقسامات داخلية أو تفاوت في الرؤى حول كيفية التعامل مع المتغيرات السياسية والأمنية.
يأتي هذا التحول في وقت يتزايد فيه الحديث عن دور الجيش اللبناني ومستقبل العلاقة بين الحزب والدولة، فالحزب يجد نفسه اليوم أمام خيارين: إما تعزيز حضوره في الدولة لمواجهة الضغوط الدولية، أو الاستمرار في نهجه السابق، وهو ما قد يضعه في مواجهة أكبر مع خصومه في الداخل والخارج.
وفي خضم مشهد التشييع الحاشد للشهيد نصر الله، لم تخلُ خطابات الحزب من إلقاء اللوم على الدولة اللبنانية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، في ما يتعلق بالخروقات الإسرائيلية وغياب الردع الرسمي تجاهها، هذه السردية ليست جديدة، لكنها اكتسبت بعدًا أكثر حدة في ظل اللحظة الحرجة التي يعيشها الحزب، حيث يحاول إعادة ترتيب أوراقه بعد فقدان زعيمه.
ومع تعقيدات المشهد اللبناني، حيث تتشابك العلاقات بين “حزب الله” والدولة اللبنانية، يصبح التحدي الأكبر أمام القيادة الجديدة هو إدارة التوازنات الداخلية، فقد تكون اللحظة الراهنة نقطة تحول في تاريخ الحزب، وقد تضعه أمام مفترق طرق، إما توسيع دائرة تحالفاته مع الدولة اللبنانية وتحديث استراتيجياته في المواجهة السياسية والعسكرية، أو الاستمرار في نهج المواجهة. وفي كل الأحوال، يبقى المستقبل مفتوحًا على احتمالات متعددة قد تُعيد رسم المشهد السياسي اللبناني والإقليمي. فهل سيستطيع الحزب الحفاظ على قوة تأثيره السياسية والعسكرية بعد فقدان زعيمه التاريخي.














