اعتبر الرئيس فؤاد السنيورة أن “لا أسوأ من هذا القانون الانتخابي، فهو مخالف للدستور ويتسبب بمزيد من الاحتقانات الطائفية والمذهبية في البلد، إلى درجة أنه يجعل أعضاء اللائحة نفسها أعداء لبعضهم، إذ يبدو كل فرد كأنه يمسك بخنجر ليطعن زميله في اللائحة في ظهره”.
أضاف: “لكن كما تعلمون، هذا قانون قائم، ويذكرني بمحطة محددة كان فيها النائب جبران باسيل وزيرا للكهرباء، وقال يومها إنه يرفض تطبيق قانون صادر في عام 2002، علما أن الموقف هو مخالف للدستور لأنه قانون ويجب العمل بمقتضياته”.
كلام السنيورة جاء خلال لقاء أقيم بدعوة من المحامي عبد الحميد الاحدب، في مكتبه في الحازمية، ضم مجموعة من المحامين، بحضور رئيس لائحة “بيروت تواجه” الوزير السابق خالد قباني.
السنيورة أشار إلى أن “الانتخابات هي حق، وواجب المواطن أن يشارك فيها”. مضيفاً: “المقتضيات اليوم ألا تكون هناك مقاطعة للانتخابات لأن لدينا تجارب سابقة في لبنان وأخرى في العراق، فالذين قاطعوا يعانون اليوم من الأمرين”، واعتبر أن “المقاطعة ستؤدي إلى وجود جهات تفرض تمثيلها على الناس، وبالتالي أخذهم إلى أمكنة حتما لا تعبر عن هؤلاء الناس. وأعلم أن الانتخابات ليست كبسة زر، لكنها وسيلة في حال كانت هناك مشاركة أفضل وأكبر من قبل اللبنانيين، أقله تحد من الضرر الذي يتسبب به هذا القانون”.
وأشار إلى أن “لبنان شهد على مدى العقد الماضي، ومنذ الانقلاب الذي جرى على الرئيس سعد الحريري في عام 2011، جملة من الأمور فتغير الوضع الحكومي والسياسي في لبنان وتردّت مجمل الأوضاع، ومنها ما تم ارتكابه بتخريب النظام الديموقراطي، من خلال الممارسة التي أدت إلى عدم إسهام الآليات المتبعة في تحقيق الهدف من النظام الديموقراطي البرلماني القائم على أساس أن الأكثرية تحكم، وأقلية غير مهمشة تعارض، وبالتالي، تسائِل وتحاول إسقاط الحكومة، فهذه الآليات تجعل المحاسبة والمساءلة تسير بشكل سليم”.
وتابع: “تم تخريب أمرين أساسيين أكملا على إنهاء هذا الوضع، فوصلنا إلى ما وصلنا إليه، وهو الاستتباع الكامل للسلطة القضائية، كما هي اليوم كأنها مخلب للاقتصاص من الخصوم السياسيين، وكذلك الاستتباع الكامل للادارة الحكومية بمعنى أنه لم يعد هناك في الدولة من أصغر موظف إلى المدير العام، إلا من هو ملحق بالأحزاب. وبالتالي، ما عادت آليات الحكم موجودة، وما عاد المواطن قادرا على الحصول على الخدمة، إلا من خلال النائب أو الوزير أو رئيس الحزب أو المسؤول، بينما حق المواطن الحصول على الخدمة من دون منة من أحد”.
وأردف: “هذه الأمور موجودة في لبنان منذ نشأته، لكنها تفاقمت وانفجرت منذ عام 2008 وعام 2011، فكيف تم تعطيل الدولة اللبنانية؟ فمن أجل انتخاب رئيس للجمهورية بقينا نحو عامين ونصف عام في فراغ رئاسي، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحكومات، بحيث أصبحنا نحتاج إلى عام لتأليفها، وبضعة أشهر لتتمكن من عقد اجتماع، والسبب يعود إلى الديموقراطية التوافقية التي أدت إلى عدم قدرتنا على ممارسة عملنا. وبالتالي، من طرح هذه البدعة أراد من خلالها أن يقبض على البلد، بحيث لا يعود هناك من يمكنه اتخاذ أي قرار، في ظل ما يسمى بالثلث المعطل، وهو يسعى اليوم ليكون لديه الثلثين. بعدها، انتخب رئيس الجمهورية، ورأينا كيف اختلطت الأمور من أساسها لجهة كيف ينتخب رئيس الجمهورية؟ وعلى أي أساس ينتخب؟ ودوره؟ وبالتالي، أصبحنا في نظرية جديدة، وهي الرئيس القوي، الرئيس القوي يكون بعضلاته أم بعقله؟ الطبيعي أن يكون قويا بعقله، وعليه أن يكون جامعا لكل اللبنانيين، لكن ما تبين من خلال البدعة الجديدة أن رئيس الجمهورية أصبح طرفا، وبالتالي فقدَ قدرته على القيام بعمله”.
أكمل: “بعد ذلك، جاء قانون الانتخاب الذي غيّر في الموازين، فتحولت الأقلية إلى أكثرية في مجلس النواب، بعد تفصيل القانون الانتخابي على مقاسهم. واليوم، نراهم يهددون بأنهم يريدون الحصول على الأكثرية الميثاقية، وهي بدعة جديدة وخطوة باتجاه القبض على الدولة اللبنانية. لقد جرت محاولات عدة خلال الفترة السابقة من أجل رص الصفوف وأن يكون هناك موقف موحد، لكن الرئيس سعد الحريري علق مشاركته السياسية، وهذا الأمر أدى إلى مزيد من الفوضى والإرباك”.
ولفت إلى أن “الأزمة التي نمر فيها، ليست أزمة السنة فقط، إنما أزمة جميع اللبنانيين، ولو بنسب متفاوتة. وإن المقاطعة، بحسب التجارب التي مررنا بها، لن تكون نتيجتها إلا المزيد من التسلط على الدولة اللبنانية وإكساب هذه القوى شرعية قانونية ودستورية بأن تكون لديها الأكثرية والقدرة على القيام بأي أمر، ليس فقط من خلال الأكثرية، إنما أيضا عبر السلاح والاستقواء، في ظل هشاشة الفريق المعارض. كل ذلك، يجعل الطرف الآخر قادرا على تحقيق مكاسب إضافية، والتحكم بهوية رئيس الجمهورية وبإمكانية تعديل الدستور وإكساب السلاح شرعية قانونية. من لم يلاحظ هذه الأمور في لبنان يمكنه أن يرى كيف تمكنوا في العراق من إكساب السلاح المليشيوي شرعية داخل النظام العراقي. وبالتالي، ما ينقصهم في العراق يمكنهم تحقيقه في لبنان، والعكس تماما”.
أضاف: “هذا ما جرى عمليا بالإضافة إلى محاولات جرت بين رؤساء الحكومة السابقين وبين الرئيس الحريري، أولا بإقناعه بعدم تعليق عمله السياسي أو من خلال اقتراح بأن يتولى رؤساء الحكومة السابقون دفة المرحلة على أن يترأسها الحريري من الخارج، وبذلك يمكن تعبئة الفراغ الحاصل إلى حين إيجاد مخرج للأمور، خصوصا وأن الفراغ مضر بشكل كبير بالطائفة السنية على وجه التحديد، ليس لكونها من أكبر المكونات اللبنانية فحسب إنما أيضا من خلال إمتدادهم في العالم العربي والإسلامي، بالإضافة الى أنهم اللحمة أو الصمغ الذي يجمع قطع الفسيفساء اللبناني وإذا هذا الصمغ لم يعد يؤدي دوره في اللحمة والجمع عندها ينتهي دوره. وهذا الأمر ينطبق على السنة وعلى اللبنانيين المقاطعين”.
وتابع: “أيضا هذا الأمر لم يكن فيه ترحيب من الحريري مما دعاني وزملائي للبحث عن طريقة ما، لأن ترك الأمور على هذا النحو مدمرة للفترة القادمة، وكذلك كان هناك جو مماثل لدى البقية بأنها لا يمكن ترك الأمور هكذا، لدرجة أن أحدهم قال لي بأنه كان هناك عقد غير مكتوب قائم بين الرئيس الشهيد رفيق الحريري والمسلمين السنة واللبنانيين، وعلى ذلك هم أسلسوا له القيادة وعلى هذا الأساس جاء الرئيس سعد الحريري وورث هذا العقد غير المكتوب بإمتيازاته وإلتزاماته، وبالتالي فإن هذا الأمر هو ما دفعني لعقد المؤتمر الصحافي والقول أن ما نراه ونعاني منه يشكل أحد مظاهر المشكلة وليس جوهرها، فجوهر المشكلة أن الدولة اصبحت فعليا مخطوفة وليست صاحبة القرار، طالما استمر هذا الإطباق على الدولة طبعا بما يعني الدولة نسبة للقواعد التي ترتكز عليها باحترامها للدستور والقوانين وللشرعيتين العربية والدولية وباحترامها لإتفاق الطائف وإستقلال القضاء”.
وأردف السنيورة: “لقد وضعت الحريري بهذا الموقف ثم أعلنت بعدها عن عدم ترشحي للانتخابات، وللذين يسألون عن سبب قيامي بمبادرتي هذه في بيروت فقط، فإن مبادرتي قائمة في أكثر من منطقة في لبنان وما دفعني إلى ذلك هو اعتقادي بأنني وصلت بعملي السياسي إلى مراحل يحلم بها أي سياسي في عمله، ومن بين كل المواقع التي تبوأتها بحيث لم يعد هناك من مكان على كتفي أعلق عليه نجمة، أعترف أنني ما كنت وصلت إلى ما وصلت إليه لو لم يكن اللبنانيون إلى جانبي ومؤيدون لي”.
ختم: “والوقت اليوم، أشعر بأن لبنان يحتاج لي وإلى أخرين أيضا أن يقفوا إلى جانبه، ولو تنطّح أي شخص وأبدى استعداده للقيام بهذه المهمة لما كنت أعلنت موقفي هذا، لكنني لم أر أي شخص أعلن إستعداده للعب هذا الدور على مخاطره، وهذا أبسط القليل الذي دفعني لهذا الموقف واعتقد أنني بمجرد قيامي بهذه المبادرة، بدا هناك ردة فعل إيجابية سواء سنية أو لبنانية ولدى المجتمع العربي وهذا الأمر يتوضح أكثر فأكثر”.














