/ جورج علم /
إنطفات هذا الشهر الشمعة الرابعة.
أربع سنوات إنقضت على 6 نيسان 2018، تاريخ انعقاد مؤتمر “سيدر”.
في الذكرى عبرة.
- حمل الرئيس سعد الحريري الى المؤتمر ورقة إصلاحيّة، تعكس إرادة وطنيّة ممثلة بمجلسي الوزراء والنواب، والقطاع المصرفي، والهيئات الإقتصادية، حظيت بتعاطف دولي كبير، وبتأييد واسع من جانب الوفود المشاركة.
اليوم، ليس من ورقة، بل سلّة من الشروط يمليها صندوق النقد الدولي. وليس من تفاهم حول كيفيّة التعاطي مع هذه الشروط، بل مزايدات، ومناكفات لتطيير الإنتخابات. والحقيقة أن القرار لم يعد ملك من في الداخل، بل أصبح زمامه عند الخارج المتحكم بهذه “العصفوريّة”!
- شارك في المؤتمر ممثلو 51 دولة، والبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، ومنظمات وهيئات مالية عربيّة، وعالميّة.
اليوم، هناك واحد فقط إسمه “صندوق النقد الدولي”. أما الـ 51 دولة فبددتها جوائح ثلاث: “كوفيد 19”. انفجار مرفأ بيروت. انفجار الأزمة بين روسيا وأوكرانيا وتداعياتها الصادمة المتناسلة، والتي تتكاثر يوما بعد يوم.
- وفّر المؤتمر سلّة مالية حجمها 11 مليار دولار، ما بين قروض ميسّرة، ومساعدات. الفائدة على القروض واحد ونصف في المئة، ومدتها 25 عاماً، مع فترة سماح يمكن أن تصل الى 10 سنوات.
السفير الفرنسي في بيروت برونو فوشير دوّن يومها على صفحته قائلا: “المؤتمر جمع 10.2 مليار كقروض، و860 مليون دولار كمنح للمرحلة الأولى من برنامج الاستثمارات، والإصلاحات المقررّة”.
اليوم، يحدّثنا رئيس وفد صندوق النقد، راميريز ريغو، عن ثلاثة مليارات، على مدى أربع سنوات، في حال تمّت موافقة الحكومة، والمجلس النيابي، والقطاع المصرفي، والهيئات الاقتصاديّة، والمودعين… على خطة التعافي المقترحة، عندها تدرس إدارة الصندوق، ومجلس إدارته ما يصلها من إصلاحات، حتى إذا ما تمّت الموافقة، ستندرج المساعدة المرسلة على 48 شهراً في إطار دعم “خطة السلطات الإصلاحيّة لإعادة النمو والإستقرار المالي”.
- خلال مؤتمر “سيدر”، تبرعت المملكة العربيّة السعوديّة بمليار دولار عبر صندوق التنمية السعودي. كما تبرعت دولة الكويت بنصف مليار عبر صناديق تابعة للدولة الكويتيّة.
اليوم، هناك مبادرة كويتيّة لإصلاح العلاقات بين لبنان ودول مجلس التعاون الخليجي. و36 مليون دولار تبرعت بها المملكة تجاوباً مع طلب ملح من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنشاء صندوق مشترك لإغاثة الشعب اللبناني الهارب من واقعه المأزوم على متن مراكب الموت. وجيّرت هذه الملايين الى مؤسسة الملك سلمان بن عبد العزيز الإنسانية كي تتولى تقديم المساعدات، والإشراف عليها مباشرة. وهناك أيضاً 30 مليون يورو من فرنسا.
- منح البنك الدولي، خلال المؤتمر، 4 مليارات دولار، على مدى السنوات الخمس المقبلة، لتمويل مشاريع إستثماريّة، حسب ما أعلنت ـ آنذاك ـ المديرة التنفيذيّة لهذه المؤسسة الماليّة العالميّة كريستالينا جورجيفا. وقالت يومها إن البنك الدولي في غاية التفهم للوضع اللبناني، بعدما استمعت الى مداخلة الرئيس الحريري.
اليوم، يعلن المدير التنفيذي لعمليات البنك الدولي، أكسل تروتسنبورغ عن شروط ثلاثة لتقديم الدعم: الإصلاحات. إعادة البناء. التنمية.
ويضيف: “لا بدّ من أن يكون الدعم شاملاً، يأتي من جهتنا، ولكن أيضاً من صندوق النقد الدولي، والبنك الأوروبي، ومن بنك التنمية الإسلامي. يعني ستكون هناك مجموعة من المؤسسات التي بوسعها ان تقدم الدعم، ويمكن أن تساعد بعض الدول مثل فرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، إذا ما لمست جديّة في الإصلاحات من الجانب اللبناني”.
المفارقة بين ما كان، وبين ما هو عليه الحال الآن، أن اللبنانيين مهرة في هدر الوقت، وتضييع الفرص. وجديدهم الآن هو إبتزاز المجتمع الدولي، وفي المقدمة صندوق النقد، تحت شعار “إنقاذ الانتخابات”. وإن “لم تبادروا، وتساعدوا.. فلا انتخابات، لأن الخزينة خاوية، والدولة مفلسة، وإن كان لا بدّ من إجرائها في موعدها، فلا بدّ من توفير الأموال اللازمة لتأمين الفيول للتيار الكهربائي، والعلاوات للموظفين الذين سيشرفون على العمليّة الإنتخابيّة، وتأمين ال”فريش دولار” للبعثات الدبلوماسيّة، وتغطية نفقات اقتراع المغتربيّن… وإلاّ فإنها ستصبح في مهب الريح!
ويتزامن هذا الإبتزاز، ويتفاعل دوليّاً على خلفيّة قناعتين تتحكمان بـ”المجموعة الدولية لدعم لبنان”:
- الأولى، مئة عام من طوائف “سهلنا والجبل”، تحوّل لبنان الى دولة فاشلة.
- الثانية، إن الأزمة، من حيث أسبابها العميقة، ليست إقتصاديّة، بل سياسيّة، وطنيّة، أخلاقيّة بامتياز. هناك “دويلة” أقوى من الدولة. وسلاح لا شرعي، أقوى من السلاح الشرعي. وفئة تريد لبنان وطناً رائداً، وأخرى تريده “ساحة” تصفي عبرها حساباتها مع هذه الدولة أو تلك!
وعندما يتفق اللبنانيون حول أي لبنان يريدون، عندها يبدأ الحل، لكن كيف لهم أن يتفقوا، وهم ذاهبون الى معركة طاحنة في ما بينهم، حول مشروعين، ورؤيتين، ومفهومين للوطن والكيان، تحت شعار الانتخابات؟!