مصر تضع شروطاً محددة لتفعيل العلاقات مع الحكومة السورية الجديدة

كشف تقرير مصري أن القاهرة قررت اختيار النهج البراغماتي في الوقت الراهن على الأقل، فيما يتعلق بالعلاقات السياسية مع سوريا بعد نظام الرئيس السابق بشار الأسد.

وقال تقرير لـ”الأهرام ويكلي” التابعة لجريدة “الأهرام” الحكومية في مصر، إن مصر كانت حذرة في التعامل مع النظام السياسي الجديد في سوريا، ومن المرجح أن تظل كذلك في المستقبل المنظور. لكن مصادر بلوماسية تقول إنه في حين تبنت القاهرة نهج الانتظار والترقب في التعامل مع حكم هيئة تحرير الشام في دمشق، فإن القاهرة حددت معايير أي تعامل مستقبلي بشكل لا لبس فيه.

وأشار التقرير إلى أن القاهرة وجهت لدمشق مجموعة واضحة من المطالب قبل وأثناء مشاركة وزير الخارجية بدر عبد العاطي في القمة الوزارية العربية الغربية بشأن سوريا التي استضافتها الرياض الأحد.

ولفت أحد المصادر، إلى أن المعايير الأولى هي أن تمتنع “هيئة تحرير الشام” بشكل نشط عن استضافة أي شخص قد ينظر إليه في مصر على أنه معاد للنظام المصري.

وقال وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي، خلال مشاركته في اجتماع الرياض الوزاري الذي حضره وزير الخارجية السوري الجديد أسعد الشيباني ووزراء خارجية عدد من الدول العربية والغربية والأمناء العامين للمنظمات الإقليمية ودون الإقليمية، إن “على سوريا أن تمتنع بشكل قاطع عن استضافة الإرهابيين”، معتبراً أن على الدول الإقليمية والدولية المعنية مساعدة سوريا في جهود مكافحة “الإرهاب”.

وبحسب مصادر دبلوماسية تحدثت بعد تصريحات عبد العاطي في الرياض، فإن “الإرهابي” في القاموس المصري يشمل كل من ينضم إلى تنظيم مصنف “إرهابياً” في أي من الدول الحاضرة في اجتماع الرياض.

وتقول المصادر ذاتها إن تصريح عبد العاطي أرسل رسالة واضحة مفادها أن مصر لن تكتفي بأي تنصل من جانب “هيئة تحرير الشام”، و تلقت مصر تأكيدات من النظام الجديد في سوريا، بأنه على الرغم من ظهور أحد معارضي النظام المصري في صورة مع زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع، فإن النظام السوري الجديد ليس لديه أي نية للانخراط في أنشطة معادية لمصر.

أما المعيار الثاني، كما تقول المصادر، فهو أن تمتنع الحكومة الجديدة في دمشق عن الترويج للجماعات الإسلامية بأي شكل من الأشكال. ويضيفون أن الجماعات الإسلامية، وخاصة جماعة الإخوان المسلمين، تشكل خطاً أحمر بالنسبة للقاهرة. ولن تقبل القاهرة ظهور شخصيات من جماعة الإخوان المسلمين على القنوات التلفزيونية السورية أو عقد اجتماعات في سوريا.

أما المعيار الثالث فهو أن تمتنع هيئة تحرير الشام عن دعم الجماعات المسلحة في المنطقة، بما في ذلك حماس في غزة. وعلى حد تعبير أحد المصادر: لا ترى مصر أي سبب لمحاولة دفع الفصائل الفلسطينية إلى القيام بأي تحرك قد يعقد الوضع المدمر بالفعل في غزة تحت راية المقاومة.

واشار المصدر ذاته، إلى أن التصريحات التي أدلى بها قيادات في “هيئة تحرير الشام” والتي تشير إلى أن النظام السوري الجديد ليس لديه أي خطط للدخول في مواجهة مع “إسرائيل “التي وسعت احتلالها العسكري للأراضي السورية منذ الإطاحة ببشار الأسد في 8 كانون الأول، لا تعني الوعد بعدم تشجيع “حماس” على القيام بتحركات غير محسوبة، معتبراً أن هذه إجراءات وقائية تهدف إلى حماية المصالح الاستراتيجية الوطنية والإقليمية لمصر.

ورفضت المصادر الدبلوماسية، التي تحدثت بشكل مستقل، القول ما إذا كانت إشارة عبد العاطي إلى “هيئة تحرير الشام” في مقابلة تلفزيونية أجريت مؤخرا مع قناة العربية الفضائية المملوكة للسعودية، باعتبارها النظام الفعلي في سوريا تشير إلى تحفظات ملموسة بشأن النظام السياسي الجديد في سوريا من جانب القاهرة، على الرغم من أن أحد المصادر الثلاثة قال إن البيان كان يهدف إلى عكس القلق المصري بشأن الطريقة التي حدث بها تغيير النظام في سوريا، مضيفا أن الموقف يتفق مع رفض القاهرة منذ فترة طويلة لتغيير النظام على أيدي الجماعات المسلحة.

وقالت المصادر إن مصر ستتعامل بشكل متحفظ مع النظام الجديد في سوريا استنادا إلى التقارير الأمنية حول المواقف التي تتخذها دمشق. وأضافت المصادر أن عوامل أخرى ستحدد وتيرة وتقدم التعامل المصري، تشمل موقف هيئة تحرير الشام من الجيش السوري والخيارات الدبلوماسية السورية، مشرةً إلى أن القاهرة ستراقب عن كثب موقف النظام تجاه حقوق الأقليات الدينية والسياسية، وما إذا كان ينتهج نهجا سياسيا شاملا أم يتبنى خطا طائفيا.

وتشير المصادر ذاتها إلى أن مصر تعمل بنشاط مع فاعلين سياسيين سوريين مهمين، بما في ذلك بعض من كانوا أعضاء في المعارضة المدنية. كما تعمل مصر مع فاعلين إقليميين معنيين في تقييم التطورات في سوريا وتأثيرها على الاستقرار الإقليمي، وخاصة في غزة حيث تعمل مصر بجد مع قطر والولايات المتحدة، وبدرجة أقل الاتحاد الأوروبي، لبدء وقف إطلاق النار في الحرب الصهيونية التي بدأت في 7 تشرين الأول 2023 وتسببت في خسائر إنسانية هائلة.

واعتبرت أن العامل الأكثر حسماً في تحديد ما إذا كانت مصر ستمضي قدماً مع النظام السوري الجديد يتعلق بخياراتها عندما يتعلق الأمر بالإسلام السياسي. ويشيرون إلى أن مصر تتمتع بعلاقة وثيقة مع زعيم القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان وبعض كبار مساعديه العسكريين، على الرغم من خلفيتهم الإسلامية، وهو ما يشير إلى أن القاهرة تمارس التمييز الدقيق.

وبحسب مصدر أمني مصري سابق، فإن القاهرة لا تضع كل الإسلاميين في خانة واحدة، وهناك فرق بين الإسلامي الذي يلتزم بمؤسسات الدولة، مثل القوات المسلحة الوطنية، والإسلامي الذي كان له ارتباط سابق بجماعات متطرفة مثل القاعدة.

وأشار المصدر الأمني ​​إلى أنه من الواضح أن النظام الحالي في سوريا ليس ما كانت مصر تأمله لسوريا، ولكن في نهاية المطاف نحن نحترم خيارات السوريين ــ بشرط أن نتحدث عن خيار يحظى بموافقة الغالبية العظمى من الشعب السوري.

وقال المصدر نفسه إنه لا يكفي أن يرسل القادة الجدد لسوريا رسائل مطمئنة، بل المهم هو كيف سيتصرف النظام الجديد، لافتاً إلى أنه “يبدو أن القادة الجدد في سوريا يريدون التركيز على الجبهة الداخلية والتعاون مع العواصم التي يمكن أن تقدم لهم يد المساعدة، وخاصة أنقرة والرياض”.

error: Content is protected !!