“فخامة الجنرال”.. هل تتكرّر “التجربة الشهابية”؟

| خضر طالب |

يمكن القول إن قائد الجيش العماد جوزاف عون أطلق حملة ترشيحه لرئاسة الجمهورية منذ العام 2019.

مشى الجنرال بخطوات مدروسة جداً، محاولاً العبور فوق “حقول الألغام” اللبنانية بسلام حيناً، وتنفيذ “عمليات سياسية” بعقل عسكري أحياناً.
في انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، كان الجنرال عون “القائد السرّي”، على الرغم من استثمار عدد من قوى سياسية فيها. مع ذلك، نجح الجنرال عون في الخروج من ذلك “الحقل” المتفجّر من دون أضرار، بل على العكس، راكم منه خبرة، وحصد بسببه مزيداً من الحصانة الشعبية.

في تلك الحظة السياسية التي كانت النقمة عارمة على الطبقة السياسية، نفّذ الجنرال عون عملية “إنزال” سياسية في “متحف فؤاد شهاب”. للمكان رمزية خاصة. من هناك أطلق جوزاف عون مشروعه “الرئاسي” الأول، حدّد فيه عناوين رئيسية لـ”خطاب القسم” الذي سيلتزم به في حال انتخابه رئيساً للجمهورية.

لكن الأهم، فإن جوزاف عون أراد الإيحاء أنه ينتمي إلى “النهج الشهابي” وأنه “وريث” فؤاد شهاب، لأنه يدرك أن اللبنانيين يكررون احترامهم للتجربة الشهابية على الرغم من عدم معايشتهم لتلك التجربة التي لم تسقط بمرور الزمن.

وعلى مدى سنوات، حرص جوزاف عون على اعتماد سلوك خاص به: تفادى الاصطدام المباشر بالقوى السياسية، لكنه تفادى أيضاً الانصياع لرغباتها وطلباتها.

نجح الجنرال جوزاف عون في تطويق مؤسسة الجيش اللبناني بـ”حواجز”، و”متراس” مرتفع للحماية الصارمة التي قطعت الطريق على محالات اختراقها لتسلّل السياسة وحساباتها إلى مؤسسة الجيش.

اكتشفت الطبقة السياسية أنها تتعامل مع جنرال عنيد، يرفض منطق “المساومات”، ولا يريد الغوص في اللعبة السياسية التي عبّر عن نقمته عليها.
وعلى الرغم من الأحداث الكبيرة التي حصلت خلال السنوات الخمس الماضية، بقي الجنرال عون حريصاً على تحييد الجيش، وتنزيهه، وتقليل الخسائر التي تصيبه إلى الحد الأدنى الممكن.

كان صعباً على أي كان أن يخرج من الزلازل التي ضربت لبنان على مدى السنوات الخمس الماضية، من دون جروح وكدمات وخسائر، لكن جوزاف عون خرج منها سليماً، بل وحقّق أرباحاً استثمرها بنجاح في تعبيد الطريق بين اليرزة وبعبدا، ليصبح انتقاله من وزارة الدفاع إلى قصر بعبدا “حاجة وطنية”، ومطلباً عربياً، ورغبة دولية، مثلما هي طموح شخصي.

في المحصلة، وصل جوزاف عون إلى بعبدا، خلع ثيابه العسكرية التي نادراً ما ظهر بغيرها، لكن لا يمكن الرهان أنه سيخلع “استراتيجياته العسكرية”، و”سلوكه العسكري” و”رؤيته العسكرية”، بعد ارتدائه ربطة العنق، إلا إذا أصابه الإحباط باكراً من إمكانية تنفيذ خطته للبنان التي يراهن اللبنانيون عليه لتنفيذها.

على الأرجح، أن هناك احتمالاً لـ”تجربة شهابية” مجدداً، بنموذج محدّث، خصوصاً إذا انتهت ولاية “النموذج العوني” لـ”التجربة الشهابية”، من دون أن يسعى بعد 6 سنوات إلى تمديد الولاية!