“فخامة الرئيس” إبراهيم كنعان.. يجمع “خطيّن متوازيين”!

لا يبدو إبراهيم كنعان شخصية سهلة الفهم.

اعتاد الرجل أن يكون صانع حدث. من “الإبراء المستحيل” الذي كشف فيه فضائح النظام المالي للدولة اللبنانية على مدى عقود من الزمن، إلى “اتفاق معراب” الذي أثمر انتخاب العماد ميش عون رئيساً للجمهورية، وصولاً إلى لجنة “تقصّي الحقائق” في مجلس النواب التي تم تحميلها مسؤولية إسقاط “خطة التعافي الاقتصادي”. لم تُرسل تلك الخطة إلى مجلس النواب.

دقّقت اللجنة في الأرقام واختلفت مع حكومة حسان دياب عليها. مروراً بإصلاحات جوهرية في موازنات الدولة من بينها ما كشف عن “فقدان” أكثر من 27 مليار دولار من الأموال العامة، وإماطة اللثام عن التوظيفات “السياسية” في الدولة التي وصل عددها إلى نحو 33 ألف موظف.

لا يوحي إبراهيم كنعان أنه شخصية صدامية. على العكس، يعكس سلوكه شخصية حوارية، سمحت له بلعب أدوار سياسية كبيرة، من خلال قدرته على خوض النقاشات المعمقة وتقديمه الحجة والمبرّر، وامتلاكه مقدرة على الإقناع.

هو، مبدئياً، شخصية “مرنة”، تستطيع تحويل “المستحيل” إلى “ممكن”، والصعب إلى سهل. هكذا أنجز “اتفاق معراب” الذي جمع “خطّين متوازيين لا يلتقيان”.. إلا إذا كان إبراهيم كنعان جسراً بينهما. تلك المعادلة التي أنجزها، جعلته لاعباً رئيساً في السياسة، لكنه لم يحصل على “إنصاف” كافٍ، أو “ثمن” موازٍ لذلك الإنجاز الذي كاد أن يؤدّي إلى تغيير كبير في موازين القوى السياسية اللبنانية لو أنه استمر على قاعدة “أوعا خيّك”.

وإذا كان من الطبيعي أن يتعرّض كنعان لانتقادات في مسيرته السياسية، بسبب اختلاف حيناً، وتضارب القراءة والحسابات حيناً آخر، ومن حسدٍ أحياناً، فإن الرجل القانوني ـ المالي يعرف كيف يختلف، ويعرف كيف يُصالح، ويملك قدرة على التكيّف مع الوقائع، ولديه من النفَس الطويل ما يجعله يغوص عميقاً في الأمواج اللبنانية المتلاطمة على شواطئ الإقليم.

لكن مرونة كنعان، انكسرت أمام طموحات الآخرين الذين حاولوا قطع الأوكسيجين عنه لقطع نَفَسَه الطويل، لأنه ربما بات يشّكل منافسة قوية قد تؤدي لقطع طموحاتهم، خصوصاً أنه أصبح يشكّل “مزاجاً” داخل بيئته السياسية. لهذا تحديداً، قرّر إبراهيم كنعان صناعة “موجة” خاصة تحمله خارج “التيار الوطني الحر”، وإن كان “المزاج” داخل “العونيين” يحفظ له “ثورته”.

وواقعية إبراهيم كنعان تجعله لا يرمي كل أوراقه دفعة واحدة. هو “يتكتك” بهدوء، ويحتسب خطواته كأنه يحمل آلة حاسبة. يتفادى أي “دعسة ناقصة” في لحظة تكثر فيها “الدعسات” الرئاسية. صاغ تحالفاً، وينتظر… إن سمحت اللحظة السياسية، سيكون جاهزاً.. وإن سقط الرئيس المنتظر بـ”الباراشوت”، فسيستعد للمرحلة التالية وما بعدها.. وربما لما بعد 6 سنوات مقبلة.

الرجل الحقوقي أصبح خبيراً في الحسابات، ليس المالية فقط، وإنما أيضاً في الحسابات السياسية، وبرؤية واقعية لا تستند إلى أحلام تراود “المنفوخين”!

من هو إبراهيم كنعان؟

إبراهيم يوسف كنعان، محامٍ وحقوقي وسياسي ونائب في البرلمان اللبناني، من مواليد الجديدة ـ المتن عام 1962، متأهّل وله ابنتان. حائز على شهادة في القانون اللبناني من جامعة القدّيس يوسف في بيروت، وشهادة ماجستير في القانون الدولي الخاصّ من جامعة باريس 2. بدأ حياته المهنيّة في لندن قبل أن ينضمّ إلى شركة “كينيدي للمحاماة” في عام 1998، حيث لعب دورًا رئيسًا في تعزيز العلاقات التجاريّة بين لبنان والمملكة المتّحدة. شغل منصب الأمين العامّ للمجلس الحقوقي البريطاني للشرق الأوسط في نقابة إنكلترا وويلز الذي يرعى المصالح العربية-البريطانية في الشرق الأوسط على جميع الأصعدة القانونيّة والتجاريّة، كما أسّس شركة “كينيدي وشركاه” في الرياض.

تعرّف اللبنانيون إلى كنعان باعتباره أحد أبرز المرجعيات الحقوقية على المستوى الدولي، إضافة الى عمله المهني الحقوقي والسياسي في الخارج، يوم كان حاملاً لقضيّة لبنان السيادية في التسعينيات خلال الوصاية السورية. وبعد الانسحاب السوري، ترّشح كنعان عن أحد المقاعد المارونيّة الأربعة في المتن الشمالي عام 2005 على لائحة التيار الوطني الحر وفاز، وكذلك في كل الدورات الانتخابيّة التي تلتها.

وقد تولّى أمانة سرّ “تكتّل التغيير والإصلاح” و”لبنان القوي”، وبقي من أبرز الوجوه العونيّة. كان له الدور الأبرز مع شريكه “القوّاتي” ملحم رياشي في صياغة المصالحة المسيحية تحت مسمى “اتّفاق معراب” الذي مهّد الطريق أمام وصول العماد ميشال عون إلى قصر بعبدا عام 2016. وقد قدّم كنعان استقالته من “التيّار الوطني الحرّ” في آب 2024 بعد الخلافات في الخيارات السياسية والمبدئية مع قيادة التيار، وعدم التجاوب مع محاولاته لمّ الشمل، لينضمّ إلى رفاقه النوّاب الياس بو صعب وسيمون أبي رميا وآلان عون المبعَدين أو المبتعدين عن “التيار”، وهو حاليًّا عضو “اللقاء التشاوري النيابي المستقل”.

منذ عام 2009، شغل كنعان منصب رئيس لجنة المال والموازنة، حيث قاد إصلاحات حاسمة للمشهد المالي في لبنان.
وبفضل خلفيّته القانونيّة الواسعة والتزامه بالإصلاح، أصبح كنعان شخصيّة رئيسة في المشهد السياسي اللبناني، حيث يدافع عن النزاهة الماليّة والشفافيّة وتحديث الحكم في بيئة مليئة بالتحدّيات.

طُرح اسم كنعان مرشّحًا للرئاسة ضمن لائحة قدّمتها بكركي، وهو اليوم من بين الأسماء الجدّية التي يتمّ تداولها.