شهدت 70 دولة تضم نحو نصف سكان العالم انتخابات خلال عام 2024، عاقب خلالها الناخبون الأحزاب الحاكمة أو الرؤساء الذين خاضوا الانتخابات، بحثاً عن فترة حكم جديدة.
ومن الهند إلى الولايات المتحدة واليابان وفرنسا وبريطانيا، رفض الناخبون الذين سئموا من الاضطرابات الاقتصادية وعدم الاستقرار العالمي الحكومات القائمة، واختاروا في بعض الأحيان مرشحين مزعجين من خارج الطيف السياسي التقليدي.
ومع الاحتجاجات الشعبية القوية في موزمبيق وجورجيا وإلغاء الانتخابات في رومانيا والمحاولة الفاشلة لفرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية، بدا المشهد الديمقراطي المضطرب في العالم، وكأنه أصبح أكثر وعورة مع اقتراب عام درامي من نهايته.
وقد لخص كاس مود، أستاذ الشؤون الدولية في جامعة جورجيا والمتخصص في دراسة التطرف والديمقراطية، العام الحالي بأنه “عام عظيم لليمين المتطرف، ورهيب للحكام الحاليين ومقلق للديمقراطية في جميع أنحاء العالم”.
وأرجع أستاذ العلوم السياسية في جامعة مانشستر روب فورد المزاج المناهض للحكام الحاليين إلى “جائحة كوفيد الممتدة” مشيرا إلى الاضطرابات الصحية والتعليمية والاجتماعية والاقتصادية المرتبطة بالجائحة والتي جعلت أحوال الملايين من الناس أسوأ. كما أجج ارتفاع التضخم، الذي غذاه الصراع في أوكرانيا، والصراعات في الشرق الأوسط وأفريقيا، مشاعر القلق العالمية.
وفي جنوب أفريقيا ساهم ارتفاع معدل البطالة وتفاوت الدخول في الخسارة الدراماتيكية لحزب المؤتمر الوطني الذي ظل يحكم البلاد منذ سقوط نظام حكم الفصل العنصري قبل ثلاثة عقود. وفقد الحزب الذي قاده في وقت من الأوقات الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا سيطرته السياسية في انتخابات أيار الماضي واضطر للدخول في حكومة ائتلافية مع أحزاب المعارضة.
كما خسر الحكام الانتخابات في السنغال وغانا وبتسوانا، حيث أطاح فيها الناخبون بالحزب الحاكم منذ استقلال الدولة عن بريطانيا قبل 58 عاماً.
وفي أورغواي أصبح المرشح المعارض اليساري ياماندو أورسي رئيساً جديداً للبلاد في الانتخابات التي أجريت في تشرين الثاني.
أما في الهند أكبر دولة ديمقراطية في العالم من حيث عدد السكان، فقد حزب بهارتيا جاناتا الهندوسي القومي بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الأغلبية النيابية في نتيجة صادمة للانتخابات العامة في يونيو بعد نحو عشر سنوات من السيطرة على البرلمان.
واضطر رئيس الوزراء إلى تشكيل حكومة ائتلافية بعد أن ضاعفت المعارضة عدد مقاعدها في مجلس النواب الهندي.
ودخلت الحياة السياسية في اليابان مرحلة جديدة من عدم اليقين بعد خسارة الحزب الليبرالي الديمقراطي الذي حكم اليابان منذ 1955 للأغلبية النيابية في تشرين الأول، بسبب غضب الناخبين من الفضائح المالية للحزب. ويقود حالياً رئيس الوزراء شيجيرو إيشيبا حكومة ائتلافية.
كما شهدت انتخابات تموز الماضي في بريطانيا الإطاحة بحزب المحافظين من السلطة بعد 14 عاماً في الحكم، بعد اكتساح حزب العمال للانتخابات.
في الوقت نفسه كشفت نتائج الانتخابات تشرذم النظام السياسي في بريطانيا بعد انكماش شعبية حزبي المحافظين والعمال اللذين سيطرا على الحياة السياسية على مدى أكثر من قرن من الزمن، واتجاه الناخبين نحو أحزاب أصغر ومنها حزب إصلاح المملكة المتحدة اليميني المتطرف بقيادة نايجل فاراج.
ولم تكن بريطانيا منفردة بصعود اليمين. فقد شهدت انتخابات البرلمان الأوروبي الممثل لدول الاتحاد الأوروبي وعددها 27 دولة تفوق الشعبويين المحافظين واليمين المتطرف على حساب الأحزاب الحاكمة في فرنسا وألمانيا أكبر وأقوى دولتين في الاتحاد.
وفاز حزب التجمع الوطني المعادي للمهاجرين في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية الفرنسية في حزيران، لكن التحالفات وتكتيكات التصويت من جانب الوسط واليسار دفعت بالتجمع الوطني إلى المركز الثالث في الجولة الثانية مما أدى إلى مجلس تشريعي منقسم وحكومة هشة انهارت في الرابع من كانون الأول الحالي بعد سحب الثقة منها.
وفي النمسا تلقى حزب الشعب المحافظ الحاكم هزيمة أمام حزب الحرية المؤيد لروسيا في أيلول، رغم أن تحالف الأحزاب الأخرى أبقاه خارج الحكومة الائتلافية بعد الانتخابات.
في الوقت نفسه ظلت المحسوبية والتوريث السياسي مؤثرة على المشهد السياسي في بعض الدول. فبعد انتخابات فوضوية في شباط، انتخبت باكستان شهباز شريف رئيسا لوزرائها وهو الأخ الأصغر لرئيس الوزراء الأسبق نواز شريف.
وانتخبت إندونيسيا، أكبر دولة ديمقراطية في جنوب شرق آسيا، الرئيس برابو سوبيانتو، صهر الدكتاتور الراحل سوهارتو.
وفي كانون الثاني فازت رئيسة الوزراء البنغلاديشية الشيخة حسينة، أطول زعيمة في العالم بالنسبة لفترة الحكم، بولاية رابعة على التوالي في انتخابات قاطعتها أحزاب المعارضة، لكن حكمها انهار بعد شهور من الاحتجاجات الشعبية واضطرت إلى الفرار إلى الهند.
وفي سريلانكا، رفض الناخبون أيضا الحرس القديم الذي فقد مصداقيته. وانتخبوا المرشح الماركسي أنورا كومارا ديساناياكي رئيسا للبلاد في أيلول، بعد عامين من الإطاحة بحكم عائلة راجاباكسا التي حكمت البلاد لفترة طويلة.
ولعل النتيجة الأكثر إثارة للقلق والجدل في العالم، كانت فوز الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية التي أجريت في نوفمبر. فعودة ترامب إلى البيت الأبيض جعلت حلفاء الولايات المتحدة وخصومها يتأهبون لزعيم من الصعب التنبؤ بقراراته ويرفع شعار “أميركا أولا”.
وحتى يكتمل مشهد الاضطراب السياسي الذي ميز العالم خلال 2024 جاءت التطورات الدراماتيكية في كوريا الجنوبية عندما أعلن الرئيس يون سوك يول في 3 كانون الأول الأحكام العرفية وتعليق عمل البرلمان والأنشطة السياسية بدعوى الحفاظ على الدولة، قبل أن يضطر إلى التراجع عن قراره خلال أقل من 6 ساعات بعد قرار البرلمان إلغاء إعلان الأحكام العرفية.
وخلال أيام صوت البرلمان لصالح عزل يون سوك يول. وعمقت هذه الأزمة حدة الانقسام السياسي الذي تعاني منه كوريا الجنوبية بالفعل.
ومن المرجح استمرار تعثر النظم الديمقراطية خلال العام الجديد حيث تواجه الحكومات الحالية في دول ديمقراطية عديدة تحديات كبيرة ومنها ألمانيا التي خسر مستشارها أولاف شولتس تصويتا بالثقة في 16 كانون الأول أدى إلى إجراء انتخابات مبكرة، ستكون على الأرجح في فبراير/شباط المقبل.
كما ستشهد كندا انتخابات نيابية في 2025، حيث يواجه الحزب الكندي الليبرالي الحاكم استياء شعبيا متزايدا، مع انقسامات داخل الحزب الذي يحكم كندا منذ أكثر من 10 سنوات.
ورغم كل ذلك تقول سيما شاه، رئيسة قسم تقييم الديمقراطية في المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة الانتخابية ومقره ستوكهولم، إن الاستطلاعات العالمية تشير إلى أن الدعم لمفهوم الديمقراطية لا يزال قويا، لكن الأرقام تنخفض بشكل حاد “عندما تسأل الناس عن مدى رضاهم عن ديمقراطية بلادهم”.
وأضافت: “الشعوب تريد الديمقراطية، إنها تحب النظرية التي تقوم عليها.. لكن عندما يرون تطبيقها بالفعل يجدون أنها لا ترقى إلى مستوى توقعاتهم”.