أين أصبح “العفو العام”؟

| ناديا الحلاق |

كثر الحديث مؤخراً عن اعداد اقتراح قانون شامل للعفو العام لتقديمه إلى مجلس النواب، يهدف إلى إخلاء سبيل معظم السجناء المحكومين الذين ثبت ارتكابهم جرائم في لبنان، وإعطائهم حق الحرية ضمن القانون.

هذا الاقتراح يأتي في ظل اكتظاظ السجون بالموقوفين، وتواجدهم في ظروف صحية غير آمنة، وغياب برامج إعادة التأهيل ومعاناة السجناء من البطء في البت في ملفاتهم القضائية، ليتبين أن السبيل الوحيد والأسرع لتحسين حقوق هؤلاء لن يكون إلا بإقرار قانون عفو عام، ولكن هل يبصر هذا القانون النور قريباً، هل يؤثر على النظام العام وعلى القضاء في لبنان، وهل من شأنه الدخول على خط السياسة، وإلى أي مدى من شأنه أن يزيد نسبة الجريمة؟

عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب ميشال موسى قال لموقع “الجريدة”: “عملياً هناك 6 اقتراحات قوانين تقريباً كانت قد قدمت خلال السنوات الماضية، وبقيت بلا جدوى بسسب الاختلاف بوجهات النظر لناحية من سيشمل العفو، مع عدم الاتفاق على هذه الاقتراحات”.
وأضاف: على الرغم من كل اجتماعات الكتل النيابية من أجل الاتفاق على صيغة لتمريره مشروع القانون في المجلس النيابي، إلا اننا لم نتوصل إلى النتيجة المرجوة.

وكشف أن “هناك اقتراحات جديدة يتم العمل عليها، وهناك بعض الكتل تعمل على اعداد قوانين عفو على أن تقدمها إلى مجلس النواب، ليتم تحويلها إلى اللجان النيابية لدرسها”.وأوضح أن “الخلاف في مشروع قانون العفو العام قائم بسبب نوع المخالفات والشروط التي يمكن أن يشملها العفو، ويبقى المشكل الأساسي في موضوع السجون خارج الإطار الذي يشمل العفو العام حيث لديه مبتغيات سياسية معينة”.

ورأى موسى أن “تسريع المحاكمات وتطبيق المادة 180 بإخلاءات السبيل وفقاً لقانون أصول المحاكمات الجزائية في لبنان تبقى الأهم، على أن يتم بعدها انتظار اي قانون عفو في حال صدوره والموافقة عليه من خلال مجلس النواب”.

من جهته، يقول المحامي شربل كميل عرب أن “العفو العام يصدر بقانون عن المجلس النيابي وهو يساهم في إطلاق سراح العديد من الموقوفين، أكانوا محكومين أم غير محكومين، معتبراً أنه قد يطبق بمفعول رجعي لأنه يعتبر أرحم بالنسبة للمساجين”.

أما بالنسبة للتأثير على الجريمة، أوضح عرب أنه قد “يشجع إقراره على ارتكاب جرائم إذا شمل جرائم الارهاب والخيانة والقتل العمدي والجنح الشائنة والاغتصاب وتجارة البشر، بخاصة أن مثل هذه الجرائم تهدد الأمن القومي، والعفو العام اذا شملها قد يطلق سراح مجرمين محترفين من السجون”، معتبراً أن “البديل هو اصلاح السجون بحيث تتحول الى مكان يتم اعادة تأهيل السجين بداخله لا الى احترافه الاجرام أكثر”.

وكما رأى عرب أن “القضاء سيكون جاهزاً للبت بكل ملف يشمله العفو العام، خصوصاً أن القضاة عليهم تطبيق القانون منذ صدوره، أو اذا كان أرحم للمدعى عليه”، مشدداً على الثقة بالقضاء اللبناني الذي نقترح ان يعطي مجلس القضاء الأعلى رأيه بأي قانون عفو قيد النظر”.

أما من ناحية النظام العام في لبنان، أشار إلى أنه “قد يريح صدور قانون العفو العام العديد من الناس، بخاصة من لديهم موقوفين منذ فترة، وأرفض تسمية البعض بالموقوفين الإسلاميين وغير تسميات، كون الإنسان لا تفرقة بين دين ولون ومعتقد”.

وبحسب رأي المحامي عرب “في حال صدور قانون عفو عام، فيجب أن لا يشمل الجرائم التي تتعلق بالحقوق الشخصية، أي التي لا يوجد فيها إسقاط من المدعين، خصوصاً جرائم القتل، لوجود معتقد الأخذ بالثأر لدى بعض العشائر، فقد يكون اخراج قاتل من السجن بمثابة تهديد لحياته أيضاً، والسرقة الجنائية والتي لا يوجد فيها إسقاط حق شخصي”.

وشدد على أنه يجب أن “لا يشمل العفو العام جرائم الإرهاب والاعتداء على الجيش والعمالة والخيانة وتجارة البشر والاغتصاب والجرائم الشنيعة وتجارة المخدرات، لأنها تهدد المجتمع وبدلا من ذلك افضل تسريع المحاكمات وحصول محاكمة عادلة من دون أحكام مسبقة، فقد يكون العديد من المساجين مظلومين وأبرياء ومن أبسط حقوقهم المحاكمة العادلة واصلاح السجون لتتحول لمراكز إعادة تأهيل، لا أماكن لاحتراف الإجرام”.

وشدد على أنه في “الوقت الحالي يجب أن يشمل قانون العفو الجرائم البسيطة من دون الجرائم المالية، كونها تتعلق بالحق الشخصي، وأن يشمل الإعفاء من الغرامات بالنسبة لمن لا يزال في السجن لعدم قدرته على دفع غرامة مالية فقط”.

وأشار إلى أنه لا يعتقد أن “قانون العفو العام قد يصدر قريباً، إلا اذا تدخلت السياسة وصدر بطريقة إغراء من أجل مكاسب سياسية، لأنه لصدور قانون العفو يجب أن تكون حصلت مصالحة عامة وزالت الاثار النفسية والجسدية للجريمة، ولا يبدو أن ذلك حصل، خصوصاً أن نسبة الجريمة تزيد يومياً بشكل خاص كالسرقة والقتل والأعمال الشنيعة”.