تعويل روسي على “لقاء الدوحة”: الفوضى تتمدّد إلى الجنوب.. وفصائل واشنطن تتحرك

جريدة الأخبار

| علاء حلبي |

خيم هدوء حذر على جبهة حمص، وسط البلاد، بعد أن تقدمت الفصائل المسلحة التي تقودها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – الفرع السابق لتنظيم القاعدة) وسيطرت على حماة، إثر انسحاب الجيش السوري الذي يحشد قواته على تخوم حمص. على أن هذا الهدوء الذي لم يستمر إلا نحو 12 ساعة، انقطع مع عودة الاشتباكات على تخوم حمص الشمالية، بعد أن أعلن الجيش السوري «تنفيذ عملية في اتجاه الدار الكبيرة وتلبيسة والرستن، بتغطية من الطيران السوري الروسي المشترك وقوات المدفعية والصواريخ والمدرعات». كما أعلن الجيش أنه «تم القضاء على عشرات الإرهابيين وسط حالة من الذعر والتخبط والفرار الجماعي في صفوفهم»، بالإضافة إلى «تدمير عدد كبير من آلياتهم وعتادهم وأسلحتهم»، بحسب بيان وزارة الدفاع.

ويأتي ذلك في وقت بدأت فيه مناطق في الجنوب السوري تشهد حالة فوضى، خصوصاً في درعا التي كانت دخلتها الحكومة السورية بموجب اتفاقية مصالحة عام 2018 بوساطة روسية، والسويداء التي تشهد منذ أكثر من عام تظاهرات متفاوتة. وفي هذا السياق، تشير مصادر أهلية في المحافظة، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أن المظاهر المسلحة انتشرت في الأرياف الشمالية والجنوبية، ووصلت إلى معبر «نصيب – جابر» الحدودي مع الأردن، قبل أن تعلن عمّان إغلاق المعبر، ووقف حركة العبور فيه إلا في حال عودة مواطنين أردنيين نحو بلادهم، وكذلك إرسال قوات عسكرية إلى المنطقة الحدودية مع سوريا. وبحسب المصادر، لا تزال أجهزة الحكومة موجودة في مدينة درعا، حتى لحظة كتابة هذا التقرير.

ومع اشتعال الأوضاع في سوريا، وبعد تهديدات أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بسبب موقف دمشق الداعم للمقاومة، أظهرت الحكومة الإسرائيلية اهتماماً كبيراً بمجريات الأحداث على الأرض، الأمر الذي تجلى بوضوح عبر تكثيف الاجتماعات الأمنية والحكومية، في وقت نفذت فيه طائرات إسرائيلية اعتداءات على الشريط الحدودي بين لبنان وسوريا، بينها اعتداء تسبب بتدمير معبر العريضة. وعلى إثر ذلك، أعلن الأمن العام اللبناني أنه قرر إغلاق المعابر البرية مع سوريا، والإبقاء على معبر المصنع الحدودي معها متاحاً، بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة.

وتزامنت تلك التطورات مع تحركات عسكرية في الشرق السوري، حيث قام الجيش السوري وبالاتفاق مع «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) بتنفيذ عمليات إعادة انتشار، تسلمت بموجبها الأخيرة بعض المناطق «الحساسة»، في حين أعلنت فصائل ما يعرف بـ«جيش سوريا الحرة» (فصائل عربية ممولة ومدربة من قبل واشنطن وتعتبرها دمشق وموسكو امتداداً لتنظيم داعش) التحرك من قاعدة التنف الأميركية غير الشرعية، عند المثلث الحدودي مع الأردن والعراق، نحو عمق البادية السورية. وعلى خط مواز، تبعت المعارك العنيفة التي شهدتها حماة خلال الأيام الثلاثة الماضية، قبل انسحاب الجيش السوري إلى ريف حمص، تحركات من قبل الفصائل التي فرضت سيطرتها على مناطق عديدة من دون قتال، بينها السلمية ومحردة، في وقت تمكنت فيه من دخول تلبيسة والرستن (منطقة مصالحات) والالتقاء مع الفصائل التي ظهرت فيها، لتصبح متمركزة على أبواب حمص الشمالية.

وعلى المستوى السياسي، سُجل تصعيد متجدد من قبل تركيا، التي أعلنت على لسان رئيسها، رجب طيب إردوغان، وقوفها وراء هذا التصعيد. وفي تصريحات إلى الصحافيين بعد صلاة الجمعة، قال إردوغان إنه وجّه دعوة إلى نظيره السوري، بشار الأسد، «من أجل تحديد مصير سوريا، لكن للأسف لم نتلقَ رداً إيجابياً»، في إشارة إلى إعلان أنقرة رغبتها في إجراء لقاء مع الأسد، الذي رفض القيام بذلك من دون وضع أسس واضحة، تتضمن خطة لانسحاب القوات التركية غير الشرعية من سوريا، ووقف تركيا دعمها للفصائل، وتحديد الفصائل «الإرهابية». وخلال حديثه، أشار أردوغان إلى أن المعارضة السورية تسيطر حالياً على مناطق واسعة، قائلاً: «في الوقت الحالي، إدلب تحت سيطرة المعارضة، وبعدها حمص، وهناك تقدم في اتجاه دمشق». وأضاف: «نأمل أن يستمر هذا التقدم دون وقوع كوارث أو مشكلات إضافية».

خارطة سيطرة القوى المختلفة في سوريا حتى مساء أمس

ومن جهته، أطل أبو محمد الجولاني (زعيم هيئة تحرير الشام)، الذي تخلى عن لقبه واستعاد اسمه الحقيقي (أحمد الشرع)، في لقاء تلفزيوني مع قناة «CNN» الأميركية، التي قامت مراسلتها أيضاً بإجراء جولة في حلب وبعض مناطق إدلب، علماً أن واشنطن تضع «الجولاني» على لوائح الإرهاب. وخلال اللقاء، الذي يأتي في سياق عملية تبييض صفحة الرجل، ظهر «الجولاني» بزي عسكري مشابه للزي الذي يرتديه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي، وأعلن أن الحرب الجارية هدفها إسقاط النظام، وبدء مرحلة جديدة.

وعلى خط مواز، وفي سياق جهودها السياسية المتواصلة لاحتواء التصعيد الحاصل، استضافت بغداد لقاءً وزارياً ثلاثياً عراقياً – سورياً – إيرانياً. وقال وزير الخارجية السوري، بسام الصباغ، عقب اللقاء: «شرحت التطورات الميدانية والتهديدات الأمنية والظروف الإنسانية جراء الهجوم الإرهابي الذي تسبب بموجة نزوح كبيرة»، مضيفاً أن «الجهات التي تقف وراء الهجوم الإرهابي تنتهك بشكل واضح قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بمكافحة الإرهاب واتفاقات مسار أستانا».

وجاء الاجتماع الذي استضافته بغداد قبل يوم واحد فقط من لقاء ثلاثي مقرر لوزراء خارجية الدول الضامنة لمسار «أستانا» (روسيا وإيران وتركيا)، في العاصمة القطرية الدوحة، اليوم. وتعول روسيا، وفق تصريحات مسؤوليها، بشكل كبير على هذا اللقاء من أجل تحقيق التهدئة، الأمر الذي عبر عنه وزير الخارجية الروسي، سيرغيه لافروف، خلال تصريحات صحافية، أشار خلالها إلى أن الوضع في سوريا شديد التعقيد.

وقال: «هذه لعبة معقدة، هناك العديد من الجهات الفاعلة المعنية، وآمل أن يساعد الاجتماع في استقرار الوضع»، مضيفاً «(أننا) سنناقش ضرورة العودة إلى التنفيذ الحازم للاتفاقات في منطقة إدلب». وتابع أن «الاجتماع سيتناول بالتفصيل الوضع السوري، مع التركيز على إعادة تقييم التطورات الحالية ضمن مبادئ عملية أستانا».