/ جورج علم /
في كلّ مرّة يضيف “حزب الله” مسماراً على وتد الانتخابات، يضيف خيطاً على الشرنقة! مواقفه المعلنة لا تنضح بانفتاح، ولا تعكس مظاهر ارتياح!
“فائض القوّة” قد تبرره حجّة. لكن الحجة لا تختزل الحقيقة، لأن الحقيقة مجنّحة، ولها أطراف عدّة، وأطياف متعددة، ولا تؤخذ بوجهة نظر!
البارزون في “الحزب”، بنّاؤون، مهرة، محترفون في شقع مداميك المواقف بتنسيق، والتزام مطلق، لكن المتاريس العالية، قد تحجب الرؤية، ومعها الوضوح في مقاربة معالم المتغيرات الطافحة بالتحديات.
في إيران اليوم مصنع للصواريخ، وآخر للقنبلة الانشطاريّة، وثالث للطائرات الذكيّة… لم تعد صناعة السجّاد تحتلّ مركز الصدارة، تقدمت عليها حرف كثيرة تمكّنت من تسويق صادراتها إلى دول الجوار، فأخلّت بالتوازنات، وخلّفت تصدعات، وانشقاقات، وأطاحت بخصوصيات، وحضارات.
إيران القويّة هذه، لا تستطيع الاستمرار في دور “الهدّاف، وحارس المرمى”، في آن معاً. “الموت لأميركا” من جهة، والتفاوض معها ـ ولو مواربة ـ من جهة أخرى. التشاوف على مفاوضات فيينا إعلاميّاً، والحرص على تقديم المزيد من المحفّزات لإنجاحها عمليّاً.
لقد نسفت المتغييرات الدوليّة قواعد اللعبة. الحسابات راهناً، تركت الإتفاق النووي متأرجحاً بين الرفض والقبول. وحتى لو جرى التوقيع، فإن المردودات ستكون دون التوقعات، الأموال المحجوزة، سيتم تسييلها بـ”القطّارة”، ووفق قواعد مزنّرة بشروط سياسيّة، واقتصادية قاسية تفرضها المصالح المتشابكة بين الدول، والقائمة على توازنات دقيقة لا تقبل المجازفة، ولا تحبّذ التسرّع.
حتى الأسواق النفطيّة، أصبحت أكثر عرضة للتقلبات الصادمة في ضوء الأزمة الأوكرانيّة، بمعنى أن الدول المنتجة، والمصدرة، والمستهلكة قد أصبحت أمام عواصف من المتغيرات غير مأمونة الجوانب، ولا يحدّها إطار زمني ينبىء بهدوء، ووضوح في الرؤية.
كانت تشير التوقعات الى أن النووي، في حال الموافقة، سيحرّر الطاقة الإيرانية من العقوبات الدوليّة، ويعود النفط والغاز ليكتسح الأسواق العالمية من دون عوائق تذكر، ويحقّق أرباحاً خياليّة، لكن تقارير دبلوماسيّة تتحدث عن أن هذا كان… وما كان، قد تغيّر الآن… بعدما دخل النفط كسلاح في المواجهة المفتوحة ما بين الغرب، وروسيا، عند خط التماس الأوكراني.
حتى المدى الحيوي الذي كانت تحتله إيران في المحيط، لم يعد متيسراً غب الطلب، نظراً للمتغيرات الجيو سياسيّة الناشطة على أكثر من محور، وفي أكثر من إتجاه.
ينسّق الروسي مع إيران، وخطوط التواصل مفتوحة ما بين موسكو وطهران، لكن خطوطه مع الخليج، وتحديداً المملكة العربيّة السعوديّة، أكثر دفئاً، وحرارة، وتمايزاً هذه الأيام. النفط، والغاز، واستقرار الأسواق، ربما أصبحت من الهوامش.
يدور الحديث حالياً حول واقع التحالفات، ومستقبلها، في ظلّ الأزمة الأوكرانية التي تكاد أن تصبح مفتوحة على السلاح النووي بعد إغراق سفينة “موسكافا” جوهرة السطول الروسي في البحر الأسود.
ليس تفصيلا القول بان الشرق الأوسط قد أصبح ساحاً متاحاً أمام الدب الروسي، والتنين الصيني. روسيا في قلب دمشق، والصين في قلب طهران بعد إبرام الإتفاق الإستراتيجي بمئات المليارات من الدولارات، ولفترة 25 عاماً قابلة للتجديد.
صحيح ان إيران لا تزال ترقص بمهارة فوق حبال التناقضات، في كلّ من العراق وسوريا ولبنان واليمن، لكن الظروف المعاكسة قد تخطّت الأهواء، والتمنيات، لتصطدم بمتغيرات، تشارك في صياغتها إسرائيل، وتركيا، وتحالفات جديدة ناشطة في الخليج، وعلى مساحة الوطن العربي، وخيارات مفتوحة على كل الاحتمالات، لا يضمنها ضامن، ولا يتحكم بها محور قادر لوحده على صدّ الاخرين الطامحين.
هذه الخلفيّة المفخخة بشتى أنواع الصواعق المتفجرة، لا تشكل بيئة حاضنة آمنة لـ”حزب الله”. ويبقى الميدان السوري خير مثال، وقد تحوّل الى حقل اختبار للخبايا والنوايا التي تتحكم بشكل غير مباشر بمفاوضات فيينا النووية. الروسي عنصر ضاغط في سوريا، وبعض سوريا “امتداد” لنفوذ إيران. والإسرائيلي لا يتوانى عن توجيه رسائل عدوانية مباشرة، أو مشفّرة، للمعنييّن، إن في المحيط القريب، او البعيد.
وفي عودة سريعة الى الداخل، لم تعد “القبوات” تغطى بـ”سموات” الفوقيات، والبهورات… زمن الأول، تحوّل. كلّ تصريح نافر يضغط على الحزب، ويضيف على الشرنقة خيطاً جديداً. بوسعه أن يحقق ما يريد في الانتخابات.. ولكن ماذا بعد؟ بوسعه أن يضمن أكثريّة في ساحة النجمة، ولكن ماذا عن اليوم التالي؟ إن “الثلاثيّة الذهبيّة” التي يتغنّى بها، لم تعد متوافرة، وإن توافرت لم تعد وازنة مرجّحة، وإن خفّة الوزن تخفّف من الفعاليّة، وينتصر الإلتباس والقنوط!
لم يتعظ الحزب من “المارونيّة السياسيّة”. سبقته بهفواتها، وفوقياتها، وممارساتها، و”فائض قوتها”، وكان ما كان… حتى أصبحت في خبر كان!
فاته ان “البازل” اللبناني يفقد رونقه إذا فقد عنصراً من عناصره الكاملة المتكاملة. يعرف تماماً بان “فائض القوة” في لبنان، نابع من فائض التفاهم، والتعاون، والتضامن، والتماسك، وإحترام الأقليات، والفئويات، والخصوصيات.. وليس من فائض التهديدات، والتحديات، والبهورات… يعرف تماماً الشرنقة، ويعرف كيف يحيك خيوطها باتقان بصنّارة مواقفه الواقفة عند شفار التحدّي. قد يكون ما يقدمه من قدود وعروض، هدفه خطف الانتخابات الى حيث يريد… لكن ماذا عن اليوم التالي؟ هل نستفيق على “تصبحون على وطن؟”!