/ خلود شحادة /
“حرموني مصدر رزقي.. الله يحرمهن الفرحة”، كلمات قالها “علي” عن سارقي دراجته النارية. هو الذي يعمل في خدمة التوصيل “الديليفري”، منذ أن بات راتبه الوظيفي لا يكفي لسداد فاتورة اشتراك الكهرباء.
هي حالة “اللا أمان” التي يعيشها المواطن اللبناني كل يوم، بوجود دولة تخلّت عن كل مهامها، حتى الأمنية منها. مشرعة الأبواب للفلتان الأمني، مع أزمة معيشية أحكمت قبضتها على أعناق اللبنانيين.
يخبر “علي” بعينين دامعتين، كيف سلبوا منه دراجته النارية في محلة المريجة، حيث كان يتناول الإفطار عند أقارب زوجته.
ركنها أسفل المبنى، تأكد مراراً من القفل المحكم. “كنت خايف من السرقة عشان كترانة هالأيام، والصراحة هيدا الحيلة والفتيلة إذا خسرته ببطل عندي وسيلة لطلّع حق اللقمة بالشهر الفضيل”، يقول علي.
حكاية علي، ليست الوحيدة. تتشابه معها، بالأحداث والتفاصيل، الكثير من الحكايات الأخرى التي كثرت في الآونة الأخيرة في كل لبنان. لكن الصرخة ارتفعت أيضاً من أحياء “الضاحية الجنوبية” بعد الازدياد المضطرد لجرائم السرقة والنشل فيها.
ومن هذه العمليات، سرقة الدراجات النارية والسيارات، إما بعد ركنها وذهاب صاحبها، أو من خلال السطو “والتشليح” من صاحبها مباشرة.
نشل حقائب السيدات من مجموعة شبان على دراجات نارية غير مرخصة، وهي حالات منها تم التبليغ عنها في المخافر، وبعضها تم الإفصاح عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأخرى بقيت طي الكتمان.
وفي وضح النهار، منذ حوالي أسبوعين، دخل مسلّح إلى أحد محلات بيع الهواتف في منطقة برج البراجنة، في محاولة لسرقة المحل. وقد أطلق النار على مالك المتجر، وأصابه في يده، ليفرّ بعدها إلى جهة مجهولة. هذه الحادثة تتكرر في العديد من الأحياء والمناطق في الضاحية الجنوبية.
يحاول “حزب الله” وحركة “أمل”، ردع هذه الجرائم، عبر تسيير دوريات ليلية، ووضع حواجز متنقلة في الشوارع العامة، خصوصاً في ظل العتمة الشاملة التي تغرق فيها الضاحية ليلاً بفعل انقطاع الكهرباء، حينها تتحول الضاحية الى مدينة أشباح، يمرح ويسرح فيها “النشالون” والسارقون.
إلا أن هذه المحاولات، لم تتمكن من تحقيق الهدف المنشود، لسبب أساسي، اتساع الرقعة الجغرافية التي ليست بإمكان تلك الدوريات والحواجز تغطيتها كاملة، بالإضافة الى طبيعة جغرافيّة المنطقة، والتي تمتاز بتفرّع العديد من الأحياء الصغيرة والشوارع الضيقة والأبنية الملاصقة لبعضها بسبب الكثافة السكانية.
وبحسب المعلومات، فإنّ موجة السرقة تنشط بين موعد الإفطار، أي حوالي الساعة السابعة مساءً، وتستمر حتى الفجر، لكن لا يخلو الأمر من بعض محاولات السرقة التي تتم في وضح النهار “وعلى عينك يا تاجر”!
كما أن هذه المحاولات أدت الى كباش مباشر بين السارق والمسروق، وهذا يعني وجود احتمال أن تتحول كل سرقة الى جريمة قتل، او محاولة قتل، وهذا ما حصل منذ بضعة أيام بعد طعن شاب برقبته لرفضه التخلي عن دراجته النارية في منطقة “الرادوف”.
دور الأحزاب لا يكفي لفرض الأمن في المنطقة. بل هي بحاجة لحضور فاعل للأجهزة الأمنية، التي لم تنظّم أي حاجز متنقل أو “طيار” لاصطياد “الحرامي”، على الأقل، في المناطق التي كثرت فيها هذه الحوادث الأمنية، مثل “المريجة وضواحيها، طريق المطار، حي السلم، الرويس، الكفاءات، الأوزاعي”. تاركة الأمر للّطف الإلهي.
وقد ارتفع الصوت لدى أهالي الضاحية بضرورة تدخل الدولة “الغائبة”، وضبط الوضع، في ظل تزايد عمليات السرقة اليومية التي تطال المواطنين والمؤسسات والمنازل.
وعبّر معظم الشبان عن سخطهم عبر منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وشجبوا التفلت الأمني الحاصل.
هذه “الضاحية” التي نفضت غبارَ الحرب عنها، من تحت الركام، وعادت أجمل مما كانت… ترزح اليوم تحت سلطة عصابات السرقة، تطلب الاغاثة من الدولة التي على ما يبدو “فقدت السمع” كما كانت فاقدة النظر؛ حيث أنها لم ترَ يوماً هذه الرقعة من الوطن على أنها تستحق أن تعيش الأمن والأمان في كنف أمها “الدولة”.. لتتركها يتيمة تستجدي العطف والعون.