قيادة عربيّة للقطار اللبناني.. نحو مؤتمر أممي!

/ جورج علم /

عودة العرب الى لبنان، مسؤوليّة، وليست منّة. ومصلحة قبل أن تكون استعطافاً!

لقد رحّبت أكثريّة لبنانية بعودة السفيرين السعودي والكويتي، وبحفاوة لا تخلو من التملّق… لكن ماذا عن اليوم التالي عندما تنتهي السكرة، لتبدأّ الفكرة؟

يتحدث الإعلام الغربي عن بداية تحوّل، وملامح “صحوة”، في العالم العربي، ربما لتدارك الأسوأ، وسط المتغيرات الدوليّة، وانعكاساتها على موازين القوى في الشرق الأوسط.

يعتبر أن الوساطة بين روسيا، وأوكرانيا مؤشر كبير.  لقد نجح الوفد العربي بحجز مكان متقدم له بين “الكبار”. لم تعد الوساطة حكراً على الرئيس الفرنسي، والمستشار الألماني، وولي عهد أبو ظبي، والرئيس التركي، ورئيس الوزراء الهندي، ورئيس الوزراء الإسرائيلي… بل أكّد الوفد العربي الحضور، وشرح الدور، وأبدى الرغبة في تذليل العقبات…

تشكّل الوفد بقرار من مجلس جامعة الدول العربيّة خلال الدورة العاديّة 157، والتي عقدت في 9 آذار الماضي. وضمّ الأمين العام للجامعة أحمد أبو الغيط، ووزراء خارجيّة مصر، والجزائر، والأردن، والسودان.

بدأ مهمته مطلع هذا الشهر، وكانت له محادثات معمّقة مع طرفي النزاع، ومواقف انطوت على أفكار واقتراحات بناءة لتعزيز فرص التلاقي والحوار. وسجّل أهدافاً، منها:

  • التأكيد على خصوصيّة العلاقات، وحماية المصالح، والتشبث بالشرعية الدوليّة التي تمثّلها الأمم المتحدة، ومؤسساتها الناظمة.
  • تأكيد الخروج من كنف العباءة الأميركيّة، إلى استقلالية الموقف، والمساهمة في صناعة ثقافة السلام، بديلاً عن ثقافة الحرب، و”فائض القوّة”!
  • التأكيد على القيمة العربيّة المضافة، في ظلّ المتغيرات الجيو – سياسيّة التي يشهدها الشرق الوسط.

ويشكل الحضور العربي على الضفة الروسيّة – الأوكرانية، مؤشراً لصحوة جديدة من منطلق: إذا تلاشى لبنان، وتبعثرت سوريا، وتشظّى العراق، وسقطت اليمن، وتجزّأت ليبيا، واهتزّت تونس، وتشتّت السودان، ووَهَنت الجزائر… ماذا يبقى من مناعة العالم العربي؟ وأي جدوى من أمة ثكلى، ودور جهيض؟!

عودة السفراء الخليجييّن، بمثابة ومضة من تلك الصحوة.

حجر الزاوية لم ينجز بعد، والقنطرة لم يكتمل عقدها، لكن البنائين مصممون…

كان الاتصال الذي تمّ بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بمثابة المدماك الأول. جرى ذلك بحضور الرئيس الفرنسي إيمانويل ملكرون عندما زار جدّة  في الرابع من كانون الأول الماضي.

بعده،  حمل وزير خارجية الكويت الشيخ أحمد ناصر محمد الصبّاح مبادرة عربيّة الى بيروت في 22 كانون الثاني الماضي، لتستنهض الهمم.

بعده، وضع الأمين العام لجامعة الدول العربيّة، أحمد أبو الغيط، المسؤولين اللبنانييّن في صورة التحديات التي تواجه العربي، والجهود التي تبذل لإعادة التموضع، خلال زيارته العاصمة اللبنانيّة…

التحديات ـ وفق القراءة التي قدمها ـ كثيرة، منها:

أولاً، إن “المونديال الكروي” الذي ستستضيفه الدوحة اعتباراً من 21 تشرين الثاني المقبل ـ عشية ذكرى إستقلال لبنان ـ ولغاية 18 كانون الأول، ليس شأناً قطريّاً خاصاً، بل هو عربي بامتياز. وشأن دولي…

وبناءً عليه، فإن هدنة قسريّة يجب أن تُظلّل هذه المنطقة الساخنة من العالم، بهدف توفير الأمن والإستقرار لهذا المهرجان الرياضي الضخم… وإن الملفات المفتوحة أمام خيارين: إما أن تُرحَّل حتى مطلع العام المقبل، أو يصار الى إيجاد حلول سريعة لها.

ثانياً، إن العالم العربي أمام تحدٍّ مصيري. عليه أن يعرف حقيقة موقعه من “الصفقة” الأميركيّة ـ الإيرانيّة، سواء عادت الولايات المتحدة الى الاتفاق النووي، أو انتهت مفاوضات فيينا من دون اتفاق… في الحالتين، تحديات، وتداعيات، وعليه أن يعرف كيف سيتأقلم، ويحسن الاختيار.

ثالثاً، انعكاسات الأزمة الأوكرانيّة على مراكز القوى في المنطقة، والتحالفات القائمة، وتلك التي ستنشأ، وتحديد الموقع الذي يفترض أن يختاره العرب لحماية الدور، والحضور، والمصالح، وعدم تعريضهم للمزيد من التآكل، والابتزاز…

رابعاً، إن الإنعطافة العربيّة نحو لبنان، لم تكن نتيجة مبادرة خالصة، صافية بعروبتها، بل نتيجة “توجّه” فرنسي ـ أوروبي ـ أميركي ـ أممي، بقيادة عربيّة، يهدف إلى “الإمساك” بالأزمة، ورسم خريطة طريق متعددة المراحل والمحطّات، وتؤدي بالنهاية إلى التوافق على “متصرّف” يحكم لبنان، ويتحكم بقطاعاته، ومفاصله الحيويّة، إسمه صندوق النقد الدولي!

عودة السفيرين، قد تشغل فراغات كثيرة في المشهد الإنتخابي، وتعدّل بعض التوازنات. لكن الإنتخابات ـ على أهميتها ـ تبقى مجرّد محطة على سكّة القطار المتجه نحو مؤتمر أممي خاص بلبنان… ستكون إحدى محطاته البارزة زيارة البابا فرنسيس في حزيران.. ثم الاستحقاق الرئاسي.. والدور العربي هنا الحرص على المسار، وتصويب وجهة القطار حتى لا يسقط لبنان… ولا يفرط العقد العربي… عندها لا ينفع البكاء…!