| جورج علم |
كان التباين واضحاً…
الرئيس نجيب ميقاتي يريد وقفاً فوريّاً لإطلاق النار.
وزير الخارجيّة الأميركيّة أنتوني بلينكن يسعى لـ”الحل الدبلوماسي لوقف إطلاق النار، وإلتزام كل الأطراف بالقرارات الدوليّة التي تضمن الإستقرار في المنطقة”.
الرئيس ميقاتي يصرّ على وقف التدمير والتهجير.
الوزير بلينكن يصرّ على “عدم إزعاج إسرائيل”، وإعتراض رغبة بنيامين نتنياهو في هذه المرحلة. الصوت اليهودي “بيضة القبّان” في الإنتخابات الأميركيّة، واستحقاق الخامس من تشرين الثاني على الأبواب… وعذراً.. عدم الإزعاج!
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يتوقع أن تستمر الحرب حتى نهاية 2024. ومن الآن، وحتى ذلك التاريخ “لا قدرة للبنان على إطعام نفسه”، ولا قدرة لأحد على “تصحيح الرقم، ووضعه في نصابه”.
وزير الإقتصاد أمين سلام تحدث عن 20 مليار دولار حجم الخسائر حتى 20 تشرين الأول. ترك الرقم على قارعة الطريق، ومضى يبرّر أنه افتراضي في ظل غياب التدقيق العلمي الموضوعي، وأيضاً في ظل ّ إستمرار طاحونة البشر والحجر “شغّالة”.
ليس من رقم دقيق عن عدد الشهداء، وإن كان الكلام يدور حول 2.500 شهيد، وأكثر من 10.000 جريح، ومصاب.
كم هو عدد القرى، والبلدات، والأحياء المدمّرة؟ كم هي مساحة الأراضي الزراعيّة التي تصحّرت؟ كم هو حجم الأضرار في البنى التحتيّة، والشركات، والمصانع، والمعامل، والمؤسسات؟
يريد ميقاتي إنتشال وطن من تحت الأنقاض، فيما يريد الأميركي الاستحواذ على رضى نتنياهو!
هناك “مطلوب فار” يريد لبنان الرسمي والشعبي “إلقاء القبض” عليه، وإعادته إلى وظيفته، وتفعيل دوره، إسمه “وقف إطلاق النار”. وهناك اهتمام إقليمي ودولي بما يريده لبنان، لكن من دون جدوى لغاية الآن، رغم العديد من المحاولات التي جرت، إن على مستوى الأمم المتحدة، أو مجلس الأمن الدولي، أو الإتحاد الأوروبي، أو مجموعة “بريكس”، أو جامعة الدول العربيّة.
العنوان واحد، فيما الأغراض كثيرة. هناك أورام خبيثة يفترض استئصالها كي يتعافى القرار، ويصبح قابلاً للحياة. يريده لبنان مدخلاً لفسحة هدوء، وتروّي، وإلتقاط أنفاس، والحدّ من التدمير، والتهجير، والتطلّع نحو مليون و400 الف نازح بمسؤوليّة، ونباهة، لمنع الفتنة، والانجرار نحو حرب أهليّة تأتي على البقيّة الباقية من سلم أهلي، وعيش مشترك.
تريده “إسرائيل” تغييريّاً…، تدمّر الحجر، وتنتقم من البشر، وتسعى إلى تشكيل جنوب وفق هندساتها الأمنيّة والسياسيّة والاقتصاديّة. بدأت منذ العشرين من أيلول الماضي تفصح عما تريد، وما لا تريد، في الجنوب. تتحدث عن تعبئة، وحشد جيوش، ومناورات تسلّل، وبنك أهداف تسعى إلى تحقيقه بالحديد والنار، وبسلاح أميركي متفوّق، وقنابل أميركيّة من زنة 2000 رطل! حجتها كذبة كبيرة عنوانها: “إعادة مستوطني الشمال إلى مستوطناتهم آمنين”!
إيران تريده خزّان مقاومة، وأرضاً تنبت صواريخ بديلاً من سنابل القمح، وأصفياء يدينون بالولاء إلى كبير الفقهاء، ومساحة نفوذ على المتوسط، ومدرسة وفيّة للرسالة الكربلائيّة. قالها رئيس مجلس الشورى الجنرال الطيّار محمد باقر قاليباف صريحة حول تطبيق القرار 1701 بالتفاهم مع فرنسا. رسم صورة الإنتداب بمواصفاته الحديثة، نسف مقدّمة الدستور “لبنان عربي الهويّة والإنتماء، وعضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربيّة، وملتزم مواثيقها”. تخطّى التركيبة السياسيّة، الإجتماعيّة، الطوائفيّة. تجاوز المسلّمات الوطنيّة، نسف إتفاق الطائف، وكلّ ما يمتّ اليه بصلة، وجاهر بفرض وصاية إيرانيّة – فرنسية على وطن الـ18 طائفة، وضمن مساحة ال10452 كيلومتراً مربعاً!
يقف العالم مشدوهاً، يعرف المطلوب الفار، ولكن لا يجرؤ على الإمساك به، ولا حتى الإشارة اليه، لأن لا مصلحة له في ذلك، أو لا قدرة، أو لا جرأة، خوفاً من العقوبات الأميركيّة، وتحاشياً لغضب بنيامين نتنياهو.
منذ “طوفان إسرائيل” على غزة، ويقف العالم محايداً، متفرّجاً، يكتفي ببعض قصاصات الورق التي تحمل تنديداً بالمجازر التي ترتكب، أو يكتفي بتقديم بعض الأمصال، والشاش، والدواء الأحمر…
بدأ نتنياهو، ومنذ فترة، يتطاول على فرنسا، وإلمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وسائر الدول المشاركة في قوات “اليونيفيل” في الجنوب. صدر تنديد أممي، ونصائح أميركيّة بالتعقل، وعدم التمادي في إستهداف “القبعات الزرق”، ومواقع انتشارها… لكن ليس من آذان صاغية في تل أبيب، بل إرادات نهمة، ورؤوس حامية.
آخر المتداول، وخلال إجتماع تقييمي دوري عقد مطلع الأسبوع في نيويورك، ضمن “خلايا العمل” التابعة لمجلس الأمن الدولي، اتخذت توصية تقضي بأن يسمح لكل دولة مشاركة في قوات “اليونيفيل” أن تمدّ كتيبتها بما يلزم من سلاح، وعتاد، للدفاع عن النفس عند تعرّضها لـ”نار عدوّة”. ورفعت التوصية هذه إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لأخذ العلم، وإجراء المقتضى، سواء على مستوى مجلس الأمن، أو من باب الحرص على إستمرار القوات الدوليّة في الجنوب قويّة قادرة على حماية نفسها، وصدّ الإعتداءات التي تتعرّض لها.
أهميّة التوصية هذه، أنها توفّر ظروفاً أفضل للتوصل إلى وقف لإطلاق النار. وعندما يرى بنيامين نتنياهو أن بوارج الدول المقتدرة أصبحت في الناقورة تكشّر عن أنيابها دفاعاً عن كرامتها المنتهكة في الجنوب… يفترض به أن يعيد حساباته.. خصوصاً مع انتهاء موسم الانتخابات الأميركيّة!