| علي حيدر |
بغضّ النظر كم من الوقت سيمر قبل أن يتراجع العدو ومعه واشنطن عن السقوف المرتفعة إزاء مستقبل المشهد اللبناني ببعديه الأمني والسياسي، فإن حزب الله وجيش العدو معنيان بأن يبدوَا ويكونا فعلاً مستعدَين لخوض معركة طويلة الأمد لتحقيق أهدافهما. وهذا جزء أساسي من أدوات المعركة، لأنه في اللحظة التي يُقدِّر فيها أحدهما بأن الآخر أصبح ناضجاً لوقف المعركة خلال فترة زمنية مُحدَّدة، سيشكل ذلك حافزاً قوياً لمزيد من الصبر والرهان على فعالية مواصلة الضغوط.
يعود ذلك إلى أن إرادة الصمود والتصميم على مواصلة المواجهة يشكلان عاملين رئيسييْن في بلورة نتائجهما، ويحضران كعامل مرجّح من خلال التأثير على التقديرات التي تتناول مستقبل المعركة والقرار الواجب اتخاذه في هذا الاتجاه أو ذاك. يفرض ذلك، أيضاً، إبداء كثير من الحذر حيال التحليلات التي تؤكد أن المعركة طويلة جداً وتحاول أن تقدّمها كما لو أن لا أفق، لأنها جزء من الحرب النفسية التي تستهدف التأثير في مواقف بيئة المقاومة. والأمر نفسه ينسحب على مواقف قادة العدو الذين يحاولون أيضاً التأثير على قيادة المقاومة وجمهورها عندما يُظهرون تصميماً على مواصلة المعركة حتى تحقيق الأهداف. وكمثال على هذا المفهوم، فقد بقي قادة العدو خلال حرب 2006، يصرون على شروطهم ومطالبهم إلى ما قبل عدة أيام فقط من وقف الحرب، في وقت كانت النقاشات والخلافات تعصف بالمؤسستين الأمنية والسياسية حول وقف الحرب منذ نهاية الأسبوع الأول، كما كشف العديد من الوثائق والكتب الإسرائيلية لاحقاً. لكن إخراج هذه الاختلافات إلى العلن كان بمثابة فعل خياني، لما يشكله من تقويض لمناعة المجتمع الإسرائيلي وقدرته على الصمود.
جاء موقف قائد جيش العدو هرتسي هليفي، أول من أمس، بأنه أصبح بالإمكان وقف الحرب على جبهة لبنان، بعد ضرب السلسلة القيادية العليا لحزب الله، ليعكس مروحة من المؤشرات والرسائل. قدَّم الجيش من خلال هذا الموقف «سلسلة صور نصر تمهّد الأرضية لاستراتيجية خروج من الحرب»، كما لفت إلى ذلك المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس» عاموس هرئيل، لافتاً إلى أنه «بالنسبة إلى هيئة أركان الجيش، من المشكوك فيه التوصل إلى موقف تفوّق أكثر وضوحاً في الحرب» مما هو عليه الآن. وأضاف: «ربما من هنا يمكن فقط أن نهبط».
لكنّ لهذا التقدير وجهاً آخر، هو أنه في حال لم يؤدّ هذا المستوى من الضربات إلى إخضاع حزب الله وتفكيك الترابط بين عديده وبعثرة جهوده، وإلى تطويع إرادته السياسية، فإنه يعني أن على إسرائيل أن تدرك أن الأسوأ لا يزال أمامها، وهو ما بدأنا نلمس معالمه بفعل تحولات الميدان في البر والعمق الإسرائيلييْن رداً على الهجمات الإسرائيلية المتواصلة في العمق اللبناني.
من المسلَّم به أن موقف رئيس الأركان يرتكز على تقدير وضع أجراه الجيش لواقع الحرب ومستقبلها في ضوء المتغيّرات التي يشهدها الميدان، وأيضاً ربطاً بـ«بنك الأهداف النوعي» الذي من الواضح أنه استُنفد عموماً. وخلص هذا التقدير إلى أن الحد الاقصى الممكن أن يحققه الجيش هو ما تحقّق، وبالتالي على القيادة الإسرائيلية العمل على محاولة تحويله إلى إنجاز سياسي. في المقابل، فإن استمرار الحرب يعني المراوحة على مستوى الإنجازات الجدية التي يمكن الرهان عليها في تغيير معادلة الحرب، بعدما نجح حزب الله في احتواء مفاعيل الصدمات المتتالية التي تعرّض لها.
اللافت ان موقف رئيس الأركان جاء بصورة علنية، وقد يؤشر على وجود تباين مع المستوى السياسي. ويمكن التقدير أن هليفي يحاول التنصل من المسؤولية إزاء ما يتوقعه من نتائج قاسية لاستمرار الحرب، ويريد بذلك رمي المسؤولية في أحضان السياسيين. لكن لا يعني موقف رئيس الأركان أن الحرب ستتوقف غداً، لأن القرار النهائي هو لدى الحكومة ونتنياهو الذي لا يزال مصراً على استمرارها. لكنه موقف يدل على أن مفاعيل الميدان بدأت تترك أثرها في تقديرات وتوصيات الجيش، وهو شرط رئيسي لقرار وقف الحرب لاحقاً، إذ من الصعب على المستوى السياسي في أي وقت وقف الحرب في حال كان الجيش يعارض ذلك. مع الإشارة إلى أن أهم مؤشرات فعالية المقاومة، يبرز في ارتفاع مستوى تأثير عملها الميداني على المستويات الأمنية والسياسية في صفوف من تقاتلهم. وفي هذه الحالة تتوفر الأرضية لمسار تراكمي يؤسس لتحولات، لكن يجب مراقبة تفاعلها مع متغيّرات مرتقبة، من ضمنها المسار الإيراني – الإسرائيلي. على ان الاهم، هو أن الاستعداد الفعلي لمعركة طويلة يلعب دورا في تقصير مدتها، ما يجعل محور اهتمامنا هو نتائج الحرب أولاً كونها سترسم مستقبل لبنان والمنطقة لسنوات، وربما لعقود.