“قيسارية”.. وسفارة لندن!

| مرسال الترس |

مع الضبابية التي رافقت استهداف إحدى المسيّرات لمنزل رئيس وزراء العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، ومحاولة اغتيال السفير الاسرائيلي في لندن عام 1982، بعض الخيوط التي يمكن أن تكون متشابهة، وتفضي بالتالي الى بلوغ نهايات على وتيرة متناسقة!

ففي الثالث من شهر تموز عام 1982، جرت في لندن، عاصمة المملكة المتحدة، محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي شلومو أرغوف. أعلنت حكومة العدو الإسرائيلي آنذاك أن “منظمة التحرير الفلسطينية” هي التي كانت وراء الهجوم. وبالتالي اتخذت قراراً باجتياح الأراضي اللبنانية، كون قيادة تلك المنظمة كانت موجودة في العاصمة بيروت. وبدأت قوات الاحتلال بتنفيذ الاجتياح بعد ثلاثة أيام فقط. الأمر الذي سمح بالتأكيد أن الهجوم كان مقرراً منذ فترة طويلة، وأن محاولة الاغتيال لم تكن سوى السبب غير المنطقي لاجتياح لبنان واحتلال عاصمته، وبخاصة أن اجتياحاً بهذا المستوى لم يكن بالإمكان توفيره لأي جيش مهما بلغت قدرات استعداداته، خلال ثلاثة أيام فقط.

هذا الأمر، أثبت بالدليل القاطع أن حكومة العدو كانت تخطط منذ سنوات لمثل هذه الخطوة التي تمثلت باحتلال أول عاصمة عربية، وأتتها حادثة محاولة الاغتيال، والتي دبرتها بنفسها على الأرجح، لتنفيذ اجتياحها للبنان، وفرض رئيس للجمهورية، لأن الانتخابات الرئاسية كان بعد شهر ونصف فقط، حيث عملت بكل أساليبها لفرض رئيس للجمهورية بشير الجميل الذي كان مهيئاً له أن يوقع معاهدة سلام مع العدو، على أن تكون الثالثة بعد مصر والأردن، وهي ثلاث دول من أصل أربع تحيط جغرافياً بالكيان. ولكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفن، فاغتيل الرئيس المنتخب بعد نحو ثلاثة أسابيع فقط، وتحول هدف الاجتياح إلى العمل على إخراج قيادة “منظمة التحرير” من لبنان إلى تونس، لعل ذلك ينهي جذور القضية!

بعد إثنتين وأربعين سنة، يبدو أن العدو يرسم سيناريو مشابهاً!

فالأسبوع الفائت، وعلى هامش الحرب، تم الاعلان وسط ظروف ملتبسة أن مسيّرة استطاعت تخطي كل رادارات الاستشعار الجوية لتصل الى المنزل الخاص برئيس وزراء العدو في منطقة قيسارية القريبة من تل أبيب، من دون أن تسمح الرقابة العسكرية بنشر تفاصيل إضافية، فيما ضربت سلطات الاحتلال طوقاً حول حقيقة الاستهداف، وإبعاده عن كاميرات الاعلام. واندفعت “إسرائيل” إلى الأمام، واتهمت ايران بأنها هي التي تقف وراء الهجوم. وبعد أن أعلن “حزب الله” مسؤوليته عن العملية، نشر الاحتلال صوراً حول حقيقة وصول مسيرة الى نافذة غرفة نوم نتنياهو وانفجرت فيها.

وفي حين كان لافتاً تأخر الحزب في الإعلان عن مسؤوليته، قرأوا في نتائج تصرف حكومة نتنياهو احتمالين:

الأول، أن الدولة التي تصنّف نفسها بأن جيشها في مصاف الجيوش التي لا تُقهر، ولا يجوز أن تُقر بأن تنظيماً مسلحاً عربياً استطاع الوصول إلى محاولة اغتيال رئيس وزرائها وفي منزله بالذات، وهو ما وصفته مراجع أمنية في الكيان بأنه خرق خطير جداً.

الثاني، هو أن تدفع بالاتهام الى مستويات أعلى وأبعد، لغايات في نفس مخططات زعمائها الذين يدرسون رداً على إيران التي وجهت قبل فترة صواريخ إلى عمق الكيان رداً على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” اسماعيل هنية على اراضيها، واغتيال أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله في بيروت مع أحد كبار الضباط في الحرس الثوري، الأمر الذي يتيح لها بأن تلجأ إلى ضربة “خارجة عن المألوف” لإيران تؤدي إلى إخراجها من دائرة الدعم للفصائل المرتبطة بها.

والتخوف هو أن يتخذ العدو هذا الحادث كشمّاعة لإعتماد الجنون في الرد، من دون أن يلومها لائم أميركي أو غربي أو حتى دولي.

فهل سيخرج نتنياهو عن طوره.. حتى لو أدّى ذلك إلى “خراب البصرة”؟