| جورج علم |
ينعقد المؤتمر الدولي لدعم لبنان في باريس، بدعوة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مفخّخاً بلاءات ثلاث:
• لا دور أميركي إيجابي يُركن له، لا وساطة جديّة، لا فعّاليّة لوقف الحرب. لا خطّة واضحة يركن لها، ليبنى عليها، وإرتقت الإنتخابات لتحتل أولويّة الأولويات. والطرفان الديمقراطي والجمهوري يمالقان بنيامين نتنياهو ليحظى كلّ منهما بالصوت اليهودي، والأخير يعرف مكانه ويتدلّل.
• لا دور أوروبيّاً وازناً، بل بيانات، وتمنيات، وبعض المساعدات بإنتظار الخامس من تشرين، ومعرفة من سيدخل سعيداً عتبة البيت الأبيض، ليُبنى على الشيء مقتضاه…
تلاقى الأربعة في المانيا مؤخراً: الرئيس الأميركي والرئيس الفرنسي، ورئيس الوزراء البريطاني والمستشار الألماني، وكان تفاهم حول ضرورة وقف إطلاق النار في لبنان وغزّة. وذهب الصوت بعيداً في التأكيد، والتشديد، والوعيد، لكن من دون صدى، وكأن المتكئ على أريكة القرار في تل أبيب لا يعير وزناً لأي كلام إن لم يكن مشحوناً بقنابل إنشطاريّة!
وتلاقى الأربعة: الفرنسي، والألماني والإيطالي والإسباني على دعم قوات حفظ السلام الدوليّة “اليونيفيل”، ورفض الإنصياع إلى مطلب نتنياهو بالإنسحاب، لكّنهم لم يتفاهموا حول الخطّة التي تمكّن وحداتهم المشاركة في “القبعات الزرق” من الصمود، والتصدّي للنار العدوّة!
وينعقد المؤتمر تحت قناطر ثلاث:
الأولى، ضرورة وقف إطلاق النار في الجنوب… لكن كيف يمكن ذلك، في ظلّ العلاقات المتوترة بين ماكرون من جهة، ونتنياهو من جهة أخرى، على خلفيّة التعرّض لقوات “اليونيفيل” من قبل الدبابات الإسرائيليّة، وبعد الدعوة من ماكرون إلى وقف إمداد إسرائيل بالأسلحة المتطوّرة، والقنابل زنة الـ2000 رطل!
الثانية، دعم الجيش اللبناني، والقوى المسلحة اللبنانيّة الشرعيّة، بما تحتاجه، حرصاً على السلم الأهلي، وتمكيناً للجيش كي يأخذ مكانه في الجنوب، ويستعيد السيادة المنقوصة.
الثالثة، توفير ما يمكن من المساعدات الطبيّة والغذائيّة والإيوائيّة للنازحين، والتخفيف من الإنزلاقات التي يمكن أن تؤدي ـ وفق ما أعلن وزير الجيوش الفرنسي سيباستيان لو كورنو ـ إلى خطر إندلاع حرب أهليّة، وإنهيار لبنان.
وفي رأيه أن الإنهيار ممكن في ظل رئيس لم يأتِ، وإن أتى يوماً قد لا يجد مكاناً يسند اليه رأسه طالما أن “الطوفان” يأخذ في طريقه البشر والحجر. يُقال بأنها الحرب، ولكن لو لم تكن هناك حدود داشرة، وأبواب مشرّعة، لما كانت الحرب، وإن إندلعت ما كانت لتكون على هذا المستوى من الشراسة، حيث يتلظّى الوطن بين نارين، نار العدو الإسرائيلي من الخارج، ونار الأعداء “البلديّين” من الداخل حيث تنهش خلافاتهم ما تبقى.
لماذا لا يبادر “أمراء الطوائف” إلى إنتخاب رئيس يطوف على عواصم الدول الشقيقة والصديقة، مستنفراً الهمم لإنقاذ ما تبقى من وطن وكيان؟
يأتي الجواب معلّلاً بنظريتين: الأولى، أن هناك “فيتو” خارجي يحول دون ذلك، لحسابات وإعتبارات تتصل بصراع المصالح حول الشريط البترولي الممتد من بحر غزّة حتى البحر الأحمر. وهناك حرب أهليّة مستعرة في الداخل على الجبهات الإعلاميّة والسياسيّة والإقتصاديّة، بين الطوائف الكبرى، حول النظام، ووظيفة الكيان، هذا يريده حياديّاً، وذاك يريده مقاوماً. هذا يريده تحت مظلّة الطائف، وذاك يريده عصيّاً على كلّ المظلات، طموحه أن يذهب بعيداً لخدمة مشاريع إقليميّة كبرى.
حتى الآن لا يزال الجنوب صامداً، ولم يتمكّن العدو الإسرائيلي من إجتياحه، وهذه فرصة يفترض إستغلالها لإنتخاب رئيس يقسم اليمين الدستوريّة حفاظاً على مساحة الـ10452 كيلومتراً مربعاً، حتّى إذا ما نقصت ـ لا قدّر الله ـ قد يصبح من الصعب إنتخاب رئيس في ظلّ سيادة ناقصة، وأرض محتلّة، وأزمة إنسانيّة ـ إجتماعيّة ـ إقتصاديّة خانقة، يخشى أن تأتي على البقيّة الباقية من أمن، وإستقرار، وسلم أهلي.
أفتاها الرئيس نبيه برّي وقال: “لا إنتخاب قبل وقف إطلاق النار، وعندما يتّم، نبادر إلى إنتخاب رئيس”. لكن ماذا لو طال الإنتظار ولم يتمّ التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وإستمرّت المعارك مسافات زمنيّة طويلة، وتضاعفت المأساة؟
نصح أمين عام جامعة الدول العربيّة أحمد أبو الغيط بضرورة الإسراع في إنتخاب رئيس، وكذلك فعل المستشار الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين، وإلتقيا على أن “السلم الأهلي يحتاج إلى رئيس يفتح الطريق أمام حكومة تتولّى الإمساك بزمام الأمور، وتنصرف إلى رتي النسيج الإجتماعي المتهالك، فيما ينصرف الرئيس إلى تعبئة المجتمع الدولي للتوصل إلى وقف لإطلاق النار، وإفساح المجال أمام عودة آمنة للنازحين، والتفاهم حول كيفيّة معالجة الوضع في الجنوب، وإطلاق ورشة إعادة البناء والإعمار”.
هل تفتح أبواب المجلس قبل فوات الأوان؟
يصبح الأمر ممكناً إذا ما تمّخض المؤتمر “الماكروني” عن خريطة طريق واقعيّة، بطموحات معقولة، ومدعومة من عواصم ضليعة بالتوازنات الدوليّة التي تتشكّل على ضوء الحرب في أوكرانيا، والشرق الأوسط، وقادرة على مخاطبة العقل الأميركي بلغة المصالح وعلى قاعدة أن ترسيم الحدود البحريّة لم يتم تحت أزيز الطائرة، وهدير الدبابة، بل نتيجة مفاوضات في الغرف المغلقة. وإن ترسيم الحدود البريّة لن يتم بإجتياح، أو بقرقعة السلاح، بل بمفاوضات ربما تكون جزءاً من تسوية إقليميّة كبرى… وإلى أن تنضج ظروفها لا بدّ من رئيس، وحكومة، ومؤسسات شرعيّة تمسك بزمام ما تبقى قبل فوات الأوان…