| هيام القصيفي |
رغم المشهد العام الذي يوحي بحركة دبلوماسية تجاه لبنان، إلا أن ما يظهر في خلفية الصورة هو أن لا اهتمام فوق العادة بالملف اللبناني وسط كلام دوائر غربية عن حرب مفتوحة بلا مهل… في انتظار الضوء الأخضر الأميركي.
يصعب التعامل مع الحرب في لبنان على أنها قصيرة الأمد أو تجاهل شبه اللامبالاة الخارجية، ليس حيال ما يتعرّض له حزب الله فحسب، بل ما يتعرّض له لبنان عموماً قياساً بتجارب ومحطات أمنية كثيرة سابقة.
في النقطة الاولى، ثمة تسليم في دوائر غربية متابعة بأن الأزمة اللبنانية مفتوحة من دون أفق، ولا تنحصر بمواعيد كالتي يرسمها البعض لمحطة الانتخابات الرئاسية الأميركية. هذا الموعد، على أهميته، إنما يحدد ومن دون شك معالم أولية لمسار الإدارة الجديدة للسنوات الأربع المقبلة. لكنه يأخذ في الاعتبار أيضاً ما تحقق إسرائيلياً حتى الآن برضى أميركي، سواء من الإدارة الديمقراطية الحالية أو الجمهورية المتوقّعة، كي يبني عليه معالم أولية للحل اللبناني (عدا حرب غزة ونتائجها). أما المعالجة الجذرية لحرب لبنان فدونها مواعيد واستحقاقات متشابكة، تبدأ بتوقيت الرد الإسرائيلي وحجمه على إيران وردّ الأخيرة على إسرائيل، ومدى ما ستأخذه هذه الردود المتبادلة من وقت ومن ساحة اشتباك طويلة الأمد، ولا تنتهي بما يمكن أن يتحقق على الطريق.
ولهذه الدوائر قراءات معمّقة في الأهداف التي تحققت حتى الآن أو في طريقها الى التحقق من المنظار الإسرائيلي، ما يجعل من المبكر الكلام عن نهايات قريبة لها، قياساً إلى تجربة حرب غزة التي طوت سنتها الأولى، فيما حرب لبنان لم تبدأ فعلياً إلا منذ شهر تقريباً. والانتظارات الفعلية لم تبدأ بعد، لأن احتمالات المخاطر التي ستنتج تدريجاً بحسب هذه الدوائر، لن يكون من السهل استيعابها على المدى المنظور، وللكلام عن نهايات نهائية للأزمة اللبنانية التي أصبحت أكثر تعقيداً، لأن ما كان يُعدّ من مسوّدة أولية حول الأزمة بشقيها السياسي والاقتصادي وأزمة النظام، تغيّر جذرياً بفعل ما يحيط بوضع حزب الله منذ الحرب، وما تعتبره تجزئة تدريجية للحزب، ما يفترض إعادة كتابة مسوّدة جديدة تأخذ في الاعتبار المشهد الجديد الذي لم يكن متوقّعاً حصوله قبل شهر من الآن رغم حرب الإسناد. لذا يبدو مفهوماً حتى الآن «شبه اللامبالاة» الخارجية تجاه ما يجري في لبنان، لتقتصر المتابعة الخارجية على الحد الأدنى من بعض الاهتمام بالشأن الإنساني، لا أكثر ولا أقل، في انتظار كلمة السر الأميركية.
ورغم أن مشهدية مؤتمر باريس قد يراد منها إظهار بعض الاهتمام بلبنان، إلا أن واقع الحال ليس كذلك، إذ لا يمكن القول إن ما يحصل حرّك العواصم المتابعة عادة لمثل هذا النوع من الحروب، ولا حتى لمثل المحطات اللبنانية الأمنية السابقة. ما تقوم به الجامعة العربية وقطر ومصر والسعودية والإمارات، حتى الآن بحسب دبلوماسيين، ينحصر فقط بالمساعدات الإنسانية، وتأكيد ثوابت هذه الدول لجهة الحفاظ على لبنان وإجراء الانتخابات الرئاسية وكل ما يستتبع ذلك من عدة الشغل السياسية التقليدية. أكثر من ذلك، يقين هؤلاء أن ما ينتظره لبنان لن يأتي إلا من جانب واشنطن، والعواصم العربية سلّمت بذلك، ولا سيما أن لكل منها اهتماماً متمايزاً عن الأخرى بملف غزة كمصر وقطر بما يتقدّم على الملف اللبناني، فيما السعودية تسحب كل تدخل فاعل لصالح ما بعد وقف النار، في حين دخلت الإمارات بخطوات واضحة على الملف تحضيراً للأرضية كذلك لما بعد وقف النار.
في حين أن دولاً غربية غضّت النظر عن كل ما يجري في لبنان لجهة حجم الاستهدافات التي تعرّض لها حزب الله وتأثيراتها وحصرت اهتمامها بمتابعة نقاشات وقف النار عبر النافذة الأميركية، وما تحرك منها فعلياً إنما تحرك بفعل مشاركة بلاده في القوات الدولية ليس أكثر. أما التعويل على مؤتمر باريس لكسر الاحتكار الأميركي، فيبدو للطرفين الغربي والعربي في غير محله، ولا سيما في ظل علامات الاستفهام التي لا تزال تظلل علاقة باريس بإيران وحزب الله. لكن السؤال: هل حددت واشنطن فعلاً ما تريده للبنان، كي تبني هذه الدول على الشيء مقتضاه، وتحدد استراتيجتها تجاه لبنان؟
ما هو متداول عبّر عنه تماماً وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن بحصر جولته في المنطقة بملف الأسرى الإسرائيليين وإنهاء حرب غزة. وهذا يعني ترحيل الملف اللبناني إلى وقت آخر، إظهاراً لموقع واشنطن في مفاوضات وقف النار والتي ليست مستعجلة عليها. ولا شك في أن واشنطن تأخذ مداها في هذه المفاوضات في انتظار جلاء أكثر لواقع التطورات العسكرية، في وقت تتصرف وكأن الملف حقيقة ليس أولوية لديها. زيارة الموفد الأميركي عاموس هوكشتين، قبل انتهاء ولاية الرئيس الحالي جو بايدن، واحتمال انتقاله إلى القطاع الخاص مجدداً، فيما يجول بلينكن في المنطقة، دلالة على أن لا ثغرة مفتوحة حتى الآن في مفاوضات وقف النار، وأن الزيارة مجرد إبقاء خيط التواصل قائماً بحده المعقول بما يتعدى الإطار الدبلوماسي التقليدي عبر السفارة الأميركية.
وفق ذلك تنبثق من مداولات دبلوماسية، عربية وغربية، خشية واقعية، بأن من المبكر وضع مواعيد نهائية لمفاوضات وقف النار. فالطرف الأكثر تأثيراً وقدرة عليها، أي واشنطن وليس إسرائيل، غير مستعجل. وتالياً، لا علاقة لذلك بالاهتمام الإنساني أو بالحالة المتدهورة، لأن ما يقال منذ أشهر في واشنطن لا يزال هو نفسه، لا تسليم لإيران ولا تقديم جوائز ترضية من الحساب اللبناني. وحرب أيلول وما بعده ترسّخ هذه الفكرة أكثر في الميزان الأميركي.