العالم يقف على أكتاف المقاومين

| رندلى جبور |

ليس عابراً أو تفصيلاً ما نعيشه اليوم. ومن يشعر بأنه غير معني، لم يفهم بعد أن العالم برمّته يقف على أكتاف المقاومين.

فإذا صمدوا، وهذا ما سيحصل إن شاء الله، سيُكتب هذا العالم من جديد، لا بالذكاء الاصطناعي بل بالقيم الطبيعية، والحب الكثير… لا وفق خريطة الأشرار، بل بإرادة الاحرار… لا بأسطورة من يدّعون أنهم الأخيار، بل بمن يحملون في قلوبهم شجاعة الوقوف في وجه المخططات المريبة التي صيغت في المطابخ السود منذ عقود.

“اللافندر” المصطنع ممنوع أن ينتصر على الزيتون والزعتر الناشئ في الطبيعة.

والـ where is daddy الذي يصطاد الآباء الشرفاء، لم يعرف بعد أنه رغم كل الداتا التي يمتلكها، لن ينتهي ممن قرروا أن يركبوا موج البحر وموج الحرية.

لا مجال للرمادية اليوم، ولا مساحة للحياد، ولا مسافة إلا المسافة صفر، ولو كانت المسيّرات تغزو فضاءاتنا. فليس بالفضاء يُكتَب النصر.

نحن اليوم إما مع الصهيونية التي تريد أن تحكم عالم ما بعد الانسانية بسيطرة مطلقة، وإما مع الإنسانية التي تعيد للروح قيمتها وللفرد وهجه وحضوره وإبداعه.

نحن اليوم، إما مع الاعداء الذين يقدّمون نماذج ملؤها الفجاجة في الاجرام والقتل والإبادات والملاحقة على الهوية الإنسانية، وإما مع المقاومة التي تواجه مشاريع القضاء علينا جميعاً، حاملةً في يد البندقية، وفي أخرى الحفاظ على الكرامة والأرض والوطنية والفكر ونبضات القلب.

من بدأ المعركة؟ يا له من تفصيل أمام فاصلة كان لا بدّ آتية، لرسم معالم الغد، اليوم اليوم وليس غداً.

هي مواجهة حتميّة تفرض علينا الإيمان بدلاً من الكفر، لأن العدو يريدنا أن نكفر بكل شيء، وحتى بالإنسان الذي فينا.

مواجهة تفرض علينا الصبر بدلاً من الاستسلام الذي يريده من خطط لكي نكون مُشغِّلين لآلة، أو مُشغَّلين بالآلة.

مواجهة تفرض علينا الوقوف في المكان الصحيح ولو أشعلوا فيه النيران بكل أشكالها وألوانها، ليتخلصوا من الجغرافيا التي

تحتضن تراثنا ودياناتنا ووجداننا الجماعي وذكرياتنا وعاداتنا وتقاليدنا، ويعيدوا تكوين عالم جديد بجغرافيا مختلفة وبلا ذاكرة.

مواجهة تفرض علينا التمسك بالمنظومة التي تجعل منّا إنساناً، لا أرقاماً ولا مستهلِكين لمنتجات وحسب، ومنها أصبح وهمياً.

فلنشتري مستقبلنا، قبل أن يسرقوا ماضينا ويرموا المستقبل في البحر.

ولنشتري ذواتنا، بدلاً من استبدالنا بكائنات اصطناعية لا تشبهنا.

ولنشتري كرامتنا، قبل أن نشتري ماركاتهم.

ولنشتري تراثنا، قبل أن يشترونا بقيمهم المزيفة ومجاناً.

ولنشتري عالماً متوازناً، بدلاً من أن نساهم في التسويق لعالم مجنون يريدوننا فيه مسيَّرين على الروموت كونترول وتحت الكونترول في كل شيء.

هذا هو جوهر المعركة، وهي ملقاة على أكتاف المقاومين، وإذا لم نسندهم، ولو بكلمة أو حتى بصمت، وإذا لم نحمل معهم عبء هذا الصراع الكبير، سنكون آخر الاجيال المتبقية من مرحلة الإنسانية.