شكوى من الاستغلال ورفع بدلات الإيجار.. ماذا يقول القانون؟

| ناديا الحلاق |

يشكو نازحون من مناطق الحرب، من استغلال حاجتهم، ورفع بدلات الإيجار، في وقت ينزح أكثر من مليون مواطن لبناني من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، ما جعلهم يتساءلون عن المعايير المتبعة في تحديد بدلات الإيجار في الأماكن السكنية، خصوصًا في ظل الأزمة المالية والصعوبات المادية التي يعانون منها.

موقع “الجريدة” استطلع أسعار الشقق في العاصمة بيروت والمناطق المحيطة بها، حيث عرض أحد المطورين العقارين ثلاثة خيارات:

أولاً، منزل في بيروت، منطقة رأس النبع 1500 دولار، ويتألف من غرفتي نوم، صالون ومطبخ وحمام، على أن تكون مدة الايجار ثلاثة أشهر يتم دفعها سلفاً، إضافة إلى بدل شهر عمولة.

ثانياً، منزل في بيروت، منطقة الطريق الجديدة 1100 دولار، ويتألف من غرفتي نوم، صالون، مطبخ وحمام، على أن يكون العقد لمدة سنة والدفع 6 أشهر سلف، إضافة إلى بدل شهر عمولة.

ثالثاً، منزل في منطقة عرمون، ويتألف من غرفتين نوم، صالون، مطبخ وحمام 1000 دولار مع دفع ثلاثة أشهر سلف إضافة إلى عمولة مكتب.

الارتفاع الجنوني في إيجارات الشقق السكنية يؤكد أنه ما أن تطل أزمة برأسها على لبنان حتي يبدأ تجار الأزمات بالظهور، مستغلين حاجة اللبنانيين وظروفهم. فما هي معايير تحديد البدلات؟ ولأي قانون تخضع؟

المستشارة القانونية لـ”اللجنة الأهلية للمستأجرين” المحامية مايا جعارة تشير إلى أن أزمة النزوح السوري، ثم نزوح أهل الجنوب والضاحية وبعض مناطق من البقاع، فاقمت أزمة السكن التي يعاني منها البلد.

فبعد الانخفاض الحاد للأسعار نتيجة الانهيار الاقتصادي، واحتجاز أموال المودعين في المصارف، وانخفاض سعر صرف الليرة مقابل الدولار، عادت الأسعار بسرعة فائقة لترتفع بوتيرة كبيرة، في حين أن مداخيل وإيرادات المواطنين ظلت أقلّ بكثير مما كانت عليه قبل الانهيار الاقتصادي والمالي.

ومع تدفق النازحين من المناطق الأقل أمناً بسبب الحرب الدائرة مع العدو الاسرائيلي، ومع انهيار عدد كبير من المباني، شهد سوق ايجارات الشقق، المفروشة بشكل خاص وأسواق الايجارات بشكل عام، ازدياداً كبيراً في بدلات الإيجار، نتيجة عوامل عدة أبرزها زيادة الطلب، كما وخطر التأجير نتيجة الاستهدافات المحتملة، بحيث يتم رفع قيمة بدل الايجار بشكل كبير، نظراً للخطر الذي قد يصيب المأجور بسبب إمكانية قصفه من العدو في حال اعتقد أن أحد أهدافهم يسكن في هذا البناء .

وتلفت جعارة إلى أن هناك ارتفاعاً صورياً نتيجة عدم الرغبة بالتأجير نتيجة المخاطر.

قانونياً، بحسب جعارة، لا يجبر المالك على التأجير، فهو حرّ بالتصرف بملكه بالطريقة التي يراها مناسبة. أما إذا أراد التأجير، فإن المؤجر لديه الحرية الكاملة في اختيار وتحديد طريقة التأجير، بين التأجير الموسمي الذي ننصح به لهذه المرحلة كحل مؤقت يطمئن نوعاً ما المالكين الخائفين من عدم مغادرة المستأجر للمأجور بعد انتهاء العقد، أو التأجير السنوي وفي هذا النوع الأخير إذا كانت المدة المحددة في العقد أقل من ثلاث سنوات، تعتبر الاجارة معقودة لفترة زمنية مدتها ثلاث سنوات.

القانون لا يحدد سقفاً للايجارات؟

وأشارت جعارة إلى أنه في القانون اللبناني لا يوجد سقف، فيمكن للمالك رفع البدل بقدر ما يشاء، على أنه يجوز للقضاء التدخل في بعض الحالات مثل حالة استغلال الأوضاع لرفع البدلات بشكل غير منطقي، وقبول المستأجر مرغماً بذلك ليتمكن من ايواء عائلته، أو في حالة توافر عناصر عيوب الرضى، لا سيما الغبن أو الإكراه، فيمكن للقضاء تخفيض بدل الايجار إلى بدل المثل الرائج في المحلة.

كما أنه يمكن للسلطات أن تتحرك عندما يتضح لها أن هناك من يسعى إلى إفساد قاعدة العرض والطلب عن طريق حث المالكين على رفع قيمة بدلات الإيجار، فهذا الأمر، عدا انه غير أخلاقي، فهو غير قانوني ومعاقب عليه جزائياً بموجب المادة 785 من قانون العقوبات، وتصل العقوبة الى السجن مدة سنتين.

 

الإيجارات ضمن المعقول

من جهته، يقول نقيب المالكين باتريك رزق الله أن بدلات الإيجار لا تزال ضمن المعقول، ولم يحصل استغلال إلا في حالات محدودة جداً، رافضًا أي تدخل من قبل أي سلطة في فرض بدلات معينة على المالك، ومؤكدًا على مبدأ حرية التعاقد الذي يتمسكون به في القانون 92/159 كمبدأ أساسي في قضية الإيجارات، وخصوصًا مع تجربة الإيجارات القديمة التي فرضت على المالكين خسائر مادية باهظة من جراء تمديد القانون الاستثنائي 92/160 وجعلهم أكثر تمسكًا بمبادئ أساسية لا يتنازلون عنها في العقد وهي المدة الزمنية وبدلات الإيجار، لا سيما وأنهم في طريقهم نحو تحرير هذه الإيجارات وفق القانون الذي صدر عام 2014 والذي حدد بدل المثل بنسبة ٥% من قيمة المأجور.

وسأل رزق الله: في كل أزمة تفتح العيون على الإيجارات، لكن لا أحد يسأل عن كلفة الصيانة بعد التأجير وعن التصليحات، فهل يعلم المواطن أكلافنا الباهظة بعد كل تأجير؟ هل يعلم الناس كلفة استهلاك المأجور وخصوصًا المفروش؟

 

رفض الاستغلال

وتابع “إننا نعيش في زمن الحرب، وهذا صحيح، لكن الحرب قاسية علينا ونحن نعتاش من بدلات الإيجار أيضاً ولدينا مسؤوليات تجاه عائلاتنا”، مشدداً على رفض الاستغلال أو رفع بدلات الإيجار، لكن من جهة ثانية على الجميع أن يدرك أننا لسنا جمعيات مسؤولة عن الإيواء في كل أزمة أو حرب تحصل.

الالتزام بشروط العقد

وأثار رزق الله مسألة مهمة حصلت وتحصل وحذّر منها ألا وهي أن “بعض المستأجرين يعمدون إلى ترك المنازل والتوجه نحو الجبال، أو أنهم يمتلكون منازل أخرى، ثم يعمدون إلى تأجير منازلنا بأسعار مرتفعة، وهنا نحذر من هذه المسألة باعتبار أن العقد يكون بين جهتين محددتين، وبالتالي يمنع دخول أي طرف ثالث إلى المأجور من دون موافقة المالك ولأي سبب كان. وهنا ندعو المؤجرين إلى التنبه لهذا الأمر بشكل ضروري وتفقد منازلهم في هذه الظروف والتأكد من المقيمين فيها”.

وتابع رزق الله “إننا، ومن باب التضامن الوطني، نشجع على استقبال أهلنا النازحين، وعلى وجوب حل أي إشكالات حصلت وتحصل من باب التآخي، شرط احترام حق الملكية ورفض المصادرة تحت أي حجة”.

حرية التعاقد

من جهتها، تؤكد المحامية الدكتورة جوديت التيني على ضرورة أن تكون البدلات عادلة، للتخفيف عن كاهل اللبنانيين، في ضوء الأزمة التي استجدّت في لبنان واضطرار الكثير من اللبنانيين إلى مغادرة منازلهم والنزوح إلى أماكن أكثر أماناً لهم ولعائلاتهم. والمعلوم أنّ المبدأ هو حرية التعاقد واتفاق المالك والمستأجر على بنود العقد. لكن، ومنعًا لأيّ استغلال للأزمة، لا بد من أن يصار إلى الاستئناس بالنصوص القانونية المرعية الاجراء وما تكرّسه من قاعدة “بدل المثل”. فيمكن الاستئناس بالمادة 20 من القانون رقم 2 تاريخ 2017/2/28 التي تنصّ على بدل المثل وقدره 4٪؜ من القيمة البيعية للمأجور فيما لو كان خالياً، وهذا ينطبق على الشقق غير المفروشة والشقق غير المصنفة سياحيًا.

ولا بد من التنويه بأنّ قانون حرية التعاقد ينصّ على أنه، ولو كان عقد الإيجار لفترة سنة واحدة، إلا أنّ للمستأجر الحق بالاستفادة من الإيجار لمدة ثلاث سنوات على أن يسدّد بطبيعة الحال بدل الايجار.