| مرسال الترس |
يظن بعض السُذّج ولاسيما من العرب، وتحديداً قبل ثلاثة اسابيع على إجراء الانتخابات الرئاسية، أن رئيس الولايات المتحدة الأميركية هو “سيد نفسه”، من منطلق أنه رئيس الدولة “الأعظم” في عصرنا، والتي تدّعي حماية الديمقراطيات وحقوق الانسان على الكرة الأرضية. في حين أثبتت وتثبت الوقائع كل يوم، أن الرئيس الأميركي ـ أياً يكن ديمقراطياً أم جمهورياً ـ هو أسير “الدولة العميقة” التي ترسم السياسات، ولا سيما الخارجية منها، وتسهر على تنفيذها. ولكّن الصادم في الأمر أن اللوبيات اليهودية في أميركا هي التي تتحكم في تلك المنظومة غير المرئية، وتسيّرها لخدمة “إسرائيل” ككيان بحاجة الى حماية دائمة ومستمرة من قبل الغرب، لأنها تُعتبر حاملة طائراته في وسط منطقتي الشرق الأوسط والخليج وشمال افريقيا!
وقد فات الكثير أن معظم الحروب والصراعات المحورية التي شنها كيان الاحتلال مع محيطه، قد جرت في شهر تشرين الأول، أو قبله بقليل، أي في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية، حيث يكون الرئيس الفعلي في نهاية ولايته، ولا يستطيع فرض أي أمر لعدم إغضاب كيان الاحتلال الإسرائيلي الذي يصبح ممسكاً برقاب الحزبين الديمقراطي والجمهوري اللذين يلهثان وراء أصوات اليهود في الولايات الأميركية، كونهم يتحكمون بالمفاصل المحورية للدولة التي تتمثل بالمال والإعلام.
على خط موازٍ يُلاحظ أن الجاليات العربية الموجودة في بلاد “العم سام”، والتي يفوق تعداد أفرادها المليوني نسمة، يشكل أبناء بلاد الشام من سوريا ولبنان وفلسطين والأردن نحو %62 وفق أحدث الأحصاءات، ولكنهم لا يستطيعون تشكيل أي مجموعة ضغط “لوبي” فاعلة في السياسة ـ كما هي الحال مع اليهود ـ لأنهم مشتتين سياسياً، من خلال انتمائهم لأوطانهم وأنظمتها، وعقائدياً وطائفياً وأخيراً مذهبياً، وهم بالتالي غير مؤهلين لفرض أي وجهة نظر على الأحزاب الرئيسية في أميركا التي تدير اللعبة الانتخابية، والتي يسيطر عليها الحزبان الديمقراطي والجمهوري منذ عقود طويلة.
لذلك، فان من يراهن من الدول العربية على أن من سيفوز من المرشحَيْن، دونالد ترامب أو كاميلا هاريس، سيغيّر في معادلات قضايا الشرق الأوسط لصالح قضاياه المحورية، فهو واهم، وما عليه سوى مراجعة مواقف وتصريحات هؤلاء المرشحَيْن وما تضمنت من عبارات داعمة للدولة اليهودية، والمزايدة على بعضهما البعض في هذا المجال أو ذاك، ومن لا يصدق هذا الكلام ما عليه سوى مراجعة المناظرة التلفزيونية التي جرت بينهما، أو المواقف التي يطلقانها خلال المهرجانات الانتخابية أو اللقاءات مع اليهود.
ومن أبسط المؤشرات، أن الحرب على قطاع غزة ولبنان قد أكملت سنتها الأولى، وخلالها ثبت بالبرهان القاطع أن الداعم الأساسي لكيان الاحتلال الإسرائيلي، إن في المال أو السلاح المتطور في القتل، هي واشنطن التي منعت وتمنع مجلس الأمن الدولي من التوصل إلى اتخاذ قرار تنفيذي، في وقت سقط على أرض غزة نحو خمسين ألف شهيد ومفقود، ومئة ألف جريح، وعلى أرض لبنان أكثر من ألفي شهيد وعشرة الآف جريح، ومساحات واسعة من الدمار، والحبل على الجرار، لأن رغبة كيان الاحتلال هي في تنفيذ النصوص التوراتية.