بعد خدمة دامت 30 عاماً في جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي، كرّس جزءاً كبيراً من طاقته لمحاربة إيران الملالي وذراعها المسلّح في لبنان، “حزب الله”.
القصة المثيرة للموساد، جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي، قد أضافت فصلاً جديدًا. اغتيال الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصرالله، وتصفية كامل القيادة العسكرية للتنظيم الشيعي اللبناني خلال غارة جوّية على حَي الضاحية جنوب بيروت، كانت تتويجاً لعشر سنوات من عمل جهاز الاستخبارات، وتحمل توقيع مديره: ديفيد بارنيع.
يتولّى بارنيع قيادة الموساد منذ الأول من حزيران 2021، بعد تعيينه من قِبل بنيامين نتنياهو، وهو عميل مخضرم يبلغ من العمر 59 عاماً، قضى ما يقرب من 30 عاماً في هذا الجهاز. بدأ في قسم “تزوميت” المسؤول عن إدارة وتجنيد العملاء حول العالم، فصعد في المناصب حتى أصبح مديراً للقسم، ما قاده إلى ترقيته في عام 2019 ليصبح الرجل الثاني في المؤسسة.
خلال مسيرته الطويلة، ركّز “دادي”، كما يُلقّب، بشكل أساسي على عدو إسرائيل الرئيسي: الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ممّا قاده أيضاً إلى مواجهة حليفها اللبناني، “حزب الله”، الذي تموّله وتسلّحه طهران. ويمكن القول إنّ ديفيد بارنيع اعتبر الضربة التي وُجّهت لهذه المنظمة يوم الجمعة 27 أيلول تتويجاً لسنوات من الجهود.
المخبرون على الأرض
بالتأكيد، كانت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي هي من دمّرت المجمّع السكني في جنوب بيروت، حيث اجتمع قادة “حزب الله” تحت وابل من 85 قنبلة، كل منها بوزن 900 كيلوغرام. بالتأكيد، كانت وحدات الاستخبارات العسكرية هي التي حدّدت هذه المباني كأهداف للقصف الجوي. لكن في النهاية، كان هناك مخبر أو عدة مخبرين على الأرض، أبلغوا عن وصول نصرالله وقادته، وهي المعلومات التي أدّت إلى إعطاء الضوء الأخضر للقصف القاتل. هؤلاء المراقبون تمّ تجنيدهم من قِبل قسم “تزوميت”.
قد يبدو غريباً أو حتى غير مسؤول أنّ “حزب الله” قرّر جمع قادته في مخبأ، خصوصاً أنّ إسرائيل كانت قد بدأت بالفعل سلسلة من الغارات الجوية في جنوب لبنان. لكن يجب أن نتذكر أنّ الأيام السابقة شهدت مقتل مئات من أفراد “حزب الله” نتيجة تفجير أجهزة “البيجر” وأجهزة الاتصالات المفخّخة. هذه العملية التي لم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عنها، نُسبت إلى الموساد من قِبل العالم أجمع. بعد أن فقدوا الاتصالات الآمنة نتيجة انفجار هذه الأجهزة، وبسبب استعدادات الجيش الإسرائيلي لعملية برّية، اضطرّ قادة “حزب الله”، بقيادة نصرالله، إلى عقد اجتماع طارئ في الضاحية لمناقشة الاستراتيجية. وهكذا انغلق الفخ الذي نصبه ديفيد بارنيع والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عليهم، ليدفنهم تحت أنقاض ملجأهم تحت الأرض.
قبل تولّيه قيادة الموساد، كان “دادي” قد وجّه ضربات قاسية لإيران. يُنسب إليه الإشراف على اغتيال محسن فخري زاده، المسؤول الكبير في برنامج إيران النووي العسكري، يوم 27 تشرين الثاني 2020.
في كانون الثاني الماضي، خلال جنازة مدير سابق للموساد، وَعَدَ ديفيد بارنيع ضحايا إسرائيل في السابع من أكتوبر، بأنّ موتهم سيتمّ الثأر له، مشيراً إلى “غضب الله”. وعند ذكر هذا الاسم، كان “دادي” يشير إلى تداعيات الهجوم على ميونيخ الذي أودى بحياة 11 رياضياً إسرائيلياً. حينها أطلق الموساد عملية تهدف إلى العثور على جميع الإرهابيِّين المتورّطين في هذه المأساة وتصفِيَتهم، وهي العملية التي اشتهرت بفيلم ستيفن سبيلبرغ. وقال: “الموساد اليوم، كما كان قبل 50 عاماً، يجب أن يجعل القتلة الذين اجتاحوا المنطقة الحدودية مع غزة يدفعون الثمن – سواء الذين خطّطوا لهذه العملية أو من أرسلوهم”. وقد تمّ تحذير قادة “حماس” في المنفى.