| صادق علويّة |
بعد خمسة أيام على بدء العدوان الهمجي على لبنان، تبيّن أن خطة الطوارئ كانت مجرّد حبر على ورق، وإن أظهر أداء وزارة الصحة، منذ مجزرتي الـ«بايجر» وأجهزة الاتصالات، ثم أثناء العدوان، أن جلّ ما تفعله يمكن أن تقدّمه الدولة لمواطنيها، تطبيبهم وسداد نفقات استشفائهم إذا ما استهدفتهم الآلة الحربية الصهيونية، وأنها قاصرة عن تلبية حتى أبسط الاحتياجات، حتى كادت «أزمة الفرش» تغطي على أزمة النازحين الذين بات معظمهم لياليهم الأولى في مراكز الإيواء «على البلاط».فرغم أن البلد يعيش حالة حرب فعلية منذ عام إلا قليلاً، انتظر مجلس الوزراء إلى 14 آب 2024 للموافقة على مشروع مرسوم يرمي إلى نقل اعتماد بقيمة 150 مليار ليرة من احتياطي الموازنة العامة إلى حساب الهيئة العليا للإغاثة مخصّصة للتدابير والإجراءات المتعلقة بخطة الطوارئ. والأسوأ من ذلك أن المرسوم تأخّر حتى 19 أيلول 2024 لكي يُنشر في الجريدة الرسمية أي قبل أيام من بدء العدوان.
والواقع أنه منذ اللحظات الأولى للعدوان، غياب الدولة تماماً عن الطرقات والشوارع والأوتوسترادات ومراكز الإيواء، وكان مشهد السيارات المتكدّسة على الأوتوستراد الممتدّ من الجنوب إلى صيدا فبيروت في غياب أي تنظيم للسير عيّنة عما ينتظر النازحين.
خطة مسبقة؟
في 31 تشرين الأول الماضي، بعد أيام على عملية «طوفان الأقصى»، أعدّت اللجنة الوطنية لتنسيق مواجهة مخاطر الكوارث والأزمات الوطنية خطة الطوارئ الوطنية التي تبنّت عدة افتراضات مبنيّة على مقارنة معيارية مع ما حدث في العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، ومنها تهجير قسري لمليون لبناني لفترة تمتد على مدى 45 يوماً والحاجة إلى مراكز إيواء جماعية تستوعب 20% من النازحين (أي 200 ألف شخص) والضغط على القطاع الصحي، إضافة إلى الحاجة إلى تأمين المستلزمات الإنسانية للنازحين في مراكز الإيواء مع افتراض وجود حصار بحري وجوي، ووضع إطار تنسيقي مع منظمات الأمم المتحدة العاملة في لبنان لتطبيق الخطة والاستجابة إلى الحاجات عبر تنظيم 10 مجموعات عمل حيث يقتضي أن تعمل كل مجموعة على وضع حاجات وطرق عمل قطاعها، ويشرف على كل مجموعة قطاعية وزارات أساسية ووزارات مساندة، وتتمثل الأمم المتحدة بالوكالات الأساسية العاملة في الأمن الغذائي والإيواء والمساعدات الأساسية والحماية والمياه والخدمات الصحية والتجهيزات اللوجستية والاستقرار الاجتماعي.
مع بدء العدوان، جلّ ما أعلنته اللجنة الوطنية لتنسيق مواجهة مخاطر الكوارث والأزمات الوطنية هو فتح المدارس والمهنيّات الرسميّة التي قصدها جزء من النازحين. فوفقاً لمنسّق خطة الطوارئ الوطنية وزير البيئة ناصر ياسين، استقبلت مراكز الإيواء حتى الآن 52900 شخص يمثّلون نحو 30% من النازحين، ما يعني أن تقديرات اللجنة لمجموع من نزحوا يقارب 175 ألفاً، أي إن العدد لا يزال أقل من الخطة التي قدّمتها لجنة الطوارئ لمجلس الوزراء والتي كانت مُعدّة لاستقبال نحو 200 ألف من أصل مليون نازح.
صحيح أن مراكز الإيواء فُتحت فعلاً، إلا أنها لم تكن سوى مجرد أبنية مدرسية غير مؤهّلة أصلاً لاستقبال التلامذة فكيف تكون مراكز إيواء، إذ لم تقم لجنة الطوارئ بتأمين أيّ من احتياجات النازحين وأبسطها «الفرش» ومياه الشرب المفقودة أصلاً في المدارس، علماً أن مدارس عديدة لم تكن مزوّدة حتى بمياه الاستخدام، ولم تكن مرافقها الصحية مناسبة، وخلت من أدوات النظافة الشخصية، كما غابت الاحتياجات الغذائية وحليب الأطفال.
وحدها المبادرات الفردية ومبادرات بعض الأحزاب والتيارات السياسية قامت بما كان يقتضي من الدولة أن تقوم به. فيما كان واضحاً منذ اليوم الأول لوضع الخطة أن الجهات المانحة ستمتنع عن مساعدة لبنان، ما كان يقتضي بالهيئة العليا للإغاثة أن تبادر إلى تجهيز عقود تُعرف بعقود غبّ الطلب لشراء فرش واحتياجات أولية لرفد مراكز الإيواء بها، وليس انتظار أيام عدة على العدوان لدرس الخطط مجدداً.
قد يكون صحيحاً القول إنه من الطبيعي أن تكون الـ 24 ساعة الأولى للكارثة هي المرحلة الأولى للصدمة وبعدها يقتضي أن ينتظم العمل بخطة الطوارئ لكن ذلك لم يحصل. فالحكومة اتخذت في الجلسة التي تزامنت مع بدء العدوان قرارات استشفائية بقيمة تفوق 10 آلاف مليار ليرة (111 مليون دولار)، فلماذا لم تقرّر شراء مستلزمات للنازحين لا تكلّفها سوى ربع هذا المبلغ.
أضف إلى ذلك، أن الخطة تضمّنت ثلاثة مستويات من الإنذار، وكان يفترض مع بدء العدوان تفعيل مستوى الإنذار الثالث الذي يعني الاستنفار الكامل لغرفة العمليات الوطنية بقرار من رئيس مجلس الوزراء لتطلب تحريك كل الموارد الوطنية المتاحة وطلب المساعدات الخارجية، أما مستوى الإنذار الثاني الذي كان يتضمن الاستنفار الجزئي لغرفة العمليات الوطنية والتي تستدعي تحريك الموارد المتوافرة على صعيد المناطق المتضررة للاستجابة عبر تفعيل غرف عمليات المحافظات فلم يتم تفعيله أو تم ذلك جزئياً، تمّ فقط تفعيل غرف العمليات على مستوى اتحادات البلديات والبلديات، وهو ما يُعرف بمستوى الإنذار الأول.
وبحسب الخطة، كان يقتضي أن تساهم وزارة الإعلام مثلاً في تفعيل الأعمال التطوعية وتوجيه النداءات الإنسانية إلى الجمعيات والبلديات والمنظمات الدولية لحثّها على المشاركة في عمليات الإغاثة وتقديم المساعدات أو نشر بيانات حول المناطق المغلقة والأماكن الآمنة والمسالك المؤدية إليها، ونشر البيانات التحذيرية والتوجيهية والإرشادية لحماية المواطنين وتأمين سلامتهم بالإنذار بالإخلاء أو التوجيه إلى مراكز الإيواء أو الابتعاد عن الأماكن المستهدفة… إلا أن أحداً لم يرسل أياً من هذه المعلومات على ما يبدو إلى وزارة الإعلام لتقوم بدورها في هذا الإطار.