| نقولا ناصيف |
قبل التجديد الاخير له في مجلس الامن بالاجماع وبعده، يواجه القرار 1701 اكثر من سبب لاثارة الشكوك من حول صدقيته وفاعليته وصلاحيته. لم يعد استقرار جانبيْ الحدود اللبنانية – الاسرائيلية وحده المطلوب منه، بل طمأنة المقيمين من ورائها الى بقائهم في بيوتهم.
لم يؤتَ للقرار 1701 من التجديد الاخير له في 28 آب سوى توثيق استمراره على الورق وفي القانون الدولي، فيما لا وجود له على الارض منذ 8 تشرين الاول 2023 ما ان اشعل حزب الله جبهة الجنوب. ما افضت اليه سنة جديدة تمتد الى 31 آب المقبل ايصادها ابواب التفكير في تعديل بعض أحكامه او الخوض في قرار آخر بديل منه، على نحو ما تزامن مع اكثر من تجديد سابق لانتداب القوة الدولية في السنوات الاخيرة الى الامس القريب. الابقاء على الصيغة نفسها للقرار 1701 اظهر الحاجة الملحة الى غطائه يتقاسمها – الى المجتمع الدولي – اسرائيل وحزب الله، فيما كل منهما يدفع نحو تعديله ما ان تحط حرب غزة أوزارها. القاسم المشترك بينهما تأكيدهما ان حرب غزة ستنتهي في نهاية المطاف بأحد حلين: تسوية او رابح وخاسر. لكل منهما مفهوم مناقض للآخر لما تعنيه التسوية وحسابات الربح والخسارة.مشكلة القرار 1701 في الانموذج الحالي الذي اكتسبه منذ صدوره عام 2006 وأتاح طوال 18 عاماً ضمان استقرار الحدود اللبنانية – الاسرائيلية. بيد انه لم يعد – في الظاهر على الاقل – قادراً على استيعاب تداعيات حقائق جديدة بات عليها الخط الازرق امتداداً حتى مزارع شبعا في الوقت الحاضر. بعض الاسباب المعزوّة الى التشكيك في الانموذج الحالي لقرار مجلس الامن تكمن في:
اولها، تطابق الموقفيْن الاميركي والاسرائيلي منذ ما قبل تجديد الانتداب الاخير بأن ما بات مطلوباً من القرار 1701 الاقتصاص من حزب الله أكثر بكثير مما يُظَن انه انتزعه منه بإبعاده الى شمال الليطاني. هو فحوى تصاعد نبرة تهويل المسؤولين والقادة العسكريين الاسرائيليين بقرب مهاجمة جنوب لبنان. مما يصل الى مسامع مسؤولين لبنانيين من مصادر عربية وغربية بعضها مقيم في لبنان وبعضها الآخر خارجي ان كانون الاول المقبل ربما يكون موعداً اخيراً مفترضاً لتنفيذ الهجوم. رغم اعلان اسرائيل وحزب الله التزامهما الحد الادنى من قواعد الاشتباك النافذة عند جانبيْ الحدود، الا ان المراحل الاخيرة في حربهما أظهرت هشاشة التعويل عليها بانتقال الهجمات الى عمق الاراضي اللبنانية و”الاسرائيلية” واستهداف ضواحي العاصمتين.
ثانيها، ما يردّده مسؤولون في حزب الله ان جبهة الجنوب دخلت في حرب استنزاف طويلة الامد الى ما بعد الانتخابات الاميركية على الاقل، ان لم يكن الى الاشهر الاولى من السنة الجديدة في انتظار الادارة الجديدة هناك، وتوقّع ربط اي تسوية لحرب غزة بملفات اقليمية أضحت متداخلة في ما بينها يصعب تجزئة تفاهمات عليها من بينها حرب أوكرانيا.
ثالثها، وجهة النظر الجديدة التي بات حزب الله يقارب معها القرار 1701 آخذاً في الحسبان معطيات ما بعد 8 تشرين الاول 2023: لم يعد كما كان في مرحلة ما بعد صدوره. ينتشر الآن على امتداد الشريط الحدودي كله مع اسرائيل ويهاجمها داخل اراضيها وينجح في فرض أمر واقع عليها هو تهجير نحو 150 الف مستوطن في شمالها. ما راح يقوله حزب الله اخيراً ان التطور غير المسبوق في تاريخ الدولة العبرية وهو تهجير جزء من سكانها الشماليين، اضحى بنداً محسوباً في التفاوض معها لا مناص من فرض شروط مقابلة بازائه. لم يعد على الحزب، على نحو ما انتهت اليه حرب تموز 2006، التسليم بتنفيذ شق التراجع الى شمال نهر الليطاني واخلاء جنوبه من المظاهر المسلحة ثمن انسحاب اسرائيل من الاراضي اللبنانية المحتلة، بل كذلك تحوّله مفاوضاً معنياً في فرض الشروط. أبسط ما يقال عند مسؤولين بارزين فيه ان «بين ايدينا ورقة قوية للتفاوض» هو امن شمال اسرائيل كما امن سكان الشمال.
رابعها، في ما يتردد في حزب الله ايضاً ان القرار 1701، في الصيغة الحالية المجمدة، هو الحد الادنى المقبول. المرحلة التالية لوقف حرب غزة وتالياً اطفاء جبهة الجنوب ستدور من حول بندين اضافيين يفترض ان تُعنى بهما العودة الى تطبيق القرار هما وقف الطلعات الجوية والانتهاكات اياً بلغ ارتفاعها وعبور البقاع في طريق الغارات الاسرائيلية على الاراضي السورية.
خامسها، ما يلمسه مسؤولون لبنانيون ويسمعونه مباشرة من مآخذ اميركية على أداء الجيش اللبناني في منطقة عمليات القوة الدولية. بعض المآخذ قديم عبّر عنها الأميركيون مراراً عندما طالبوا بتعديل مهمات القوة الدولية وتمكينها من اجراء دوريات بمعزل عن الجيش اللبناني. بعض المآخذ القديمة – المحدثة يرتبط بالقرار 1701 بنصّه على قيود ملزمة لرجال القبعات الزرق منها منعهم من دهم ما يسميه القرار «الاملاك الخاصة». في ما بعد، تبعاً للحجة الاميركية المساقة الى السلطات اللبنانية، ان الاملاك الخاصة تلك تحوّلت مراكز مخفية لنشاطات حزب الله سواء باسم جمعيات او محميات او مؤسسات او بيوت من شأنها التحوّل الى مقار تدريب او تخزين اسلحة او منطلق هجمات. المآخذ الجديدة على الجيش، بالكاد أضحى عديده في الجنوب ثلث ما ينص عليه القرار 1701 (4500 عسكري من 15 الفاً)، تساهله حيال سيطرة حزب الله على طول الحدود الدولية وتغاضيه عن امرار منصات الصواريخ المصوّبة الى الداخل الاسرئيلي. لا يقابل المأخذ الاميركي سوى اطراء حزب الله الدور الايجابي الذي يضطلع به الجيش في الوقت الحاضر هناك. واقع الامر، في ظل حرب مستعرة بين حزب الله واسرائيل، لم يعد يملك الجيش سوى الاضطلاع بدور اقرب ما يكون الى الدفاع المدني والصليب الاحمر بينما تكتفي القوة الدولية من مهماتها بتوثيق انتهاكات يتبادلها حزب الله واسرائيل للقرار 1701.