زاد الحديث في الآونة الأخيرة عن ودائع القطاع العام لدى مصرف لبنان والتي بلغت نحو 400 تريليون ليرة.
يُشير هذا الرقم في البداية إلى أن القطاع العام يملك في مختلف حساباته لدى مصرف لبنان نحو 4 مليارات دولار إذا احتسب الرقم على أساس سعر الصرف السائد في السوق، لكن الواقع أنه قد تراكم في هذا الحساب مبلغ كبير من الدولارات التي تصنّف “قديمة” أو محجوزة، أي أن مصرف لبنان لن يدفعها بسعر صرف السوق، رغم أنه يسعّرها وفق سعر صرف السوق.
يأتي هذا الرقم في حسابات القطاع العام لدى مصرف لبنان نتيجة عاملين؛ الأوّل هو الودائع (خصوصاً تلك التي بالدولار) السابقة للأزمة، والتي تغيّرت قيمتها مع تغيير مصرف لبنان سعر الصرف المحاسبي الخاص به وبالمصرف إلى سعر الصرف السائد.
أما العامل الثاني، فهو تعديل الضرائب والرسوم التي تجبيها الدولة للتماشي مع سعر الصرف الجديد في السوق، فأصبحت الدولة تجبي المزيد من الضرائب. وهذه الضرائب تُجبى بمعظمها عن طريق القطاع المصرفي، أي أنها لا تُجبى بشكل نقدي. وهذه الآلية يستخدمها مصرف لبنان لجمع الدولارات من السوق، وللسيطرة على الكتلة النقدية المتاحة في السوق أيضاً. وهما أمران يجتمعان من أجل سيطرة مصرف لبنان على سعر الصرف.
بهذا المعنى، من اللافت أن يبلغ حجم الإيرادات في مشروع موازنة 2025 نحو 410 تريليون ليرة الذي يساوي 7.2 مرات حجم الكتلة النقدية في السوق والتي يبلغ حجمها نحو 56.8 تريليون ليرة. يُعدّ هذا الرقم النسبي (7.2 مرات) أكبر مما هو عليه عادة في لبنان، ففي السنة السابقة للأزمة، أي سنة 2018، بلغ حجم هذا الرقم نحو 3 مرات، عندما بلغت قيمة الإيرادات نحو 17.5 تريليون ليرة، وبلغ حجم الكتلة النقدية نحو 5.8 تريليون ليرة. يذكر أن هذا الأمر حدث في خضمّ أكبر أزمة يعيشها القطاع المصرفي، فالمعتاد خلال هذا النوع من الأزمات أن يكون الاتجاه العام في الاقتصاد نحو النقد، وهو ما حدث فعلاً في كل القطاعات، إلا في ما يخصّ الدولة، فمن الواضح أن معظم الجباية الضريبية تحدث بشكل غير نقدي. وفي هذه الحالة مصرف لبنان يستخدم القطاع المصرفي، الذي لم يعد ينفع كأداة نقدية تقليدية، في الوقت الحالي على الأقل، من أجل أهداف نقدية، بطريقة غير تقليدية بحيث يقوم المركزي باستغلال التغيّر الذي حدث في السياسة المالية، لتنفيذ ما يراه هو المصلحة النقدية (الحفاظ على سعر صرف ثابت).