| لينا فخر الدين |
يبدو وكأن الانتخابات التي أوصلت فادي مصري إلى نقابة المحامين في بيروت لم تحطّ أوزارها بعد، إذ يشتدّ الكباش داخل مجلس النقابة بين حزبَي الكتائب اللبنانية والقوات اللبنانية، ويصل أحياناً إلى حد التشنّج والمُشادّات الكلاميّة بين الأعضاء. في المحصّلة، انشطر المجلس إلى «جبهتين» تتنافسان في كل الملفات، وتحاول كل منهما استخدام كل الوسائل لاستقطاب أعضاء من «الجبهة» المقابلة، بما فيها «رشوة» الأعضاء بالتعيينات.
الانقسام الحادّ يؤثّر على سيْر الجلسات ومعها معظم المواضيع التي تُطرح على التصويت، كملفات الصندوق التعاوني وامتحانات الانتساب إلى النقابة، وآخرها الخلاف على البيانات الماليّة للنقابة وقطع الحساب عن العامين الماضيين، إذ لا تزال النقابة تعتمد الصرف وفق القاعدة الاثني عشريّة، بعدما رفضت الجمعيّة العموميّة قبل عام (قبل انتخاب مصري و5 أعضاء إلى المجلس)، للمرة الأولى في تاريخها، تمرير الموازنة والبيان المالي بما فيه قطع الحساب، بسبب رفع بدلَي الاشتراك السنوي إلى صندوقَي النقابة (إلى 400 دولار) والتقاعد، ما اعتُبر «محاولة لتعويض الخسائر الماديّة من جيوب المحامين»، فضلاً عن المُطالبة بـ«مزيد من التفاصيل عن عمليّات الصرف السابقة والتدقيق في الحسابات الماليّة بسبب شكوك في عدم اتّباع الشفافيّة في الإدارة المالية لبعض الصناديق، وتحديداً الصندوق التّعاوني الذي يُغطي التقديمات الاستشفائيّة للمحامين».
ومع اقتراب انعقاد الجمعيّة العموميّة في تشرين الثاني المقبل، طالب بعض أعضاء مجلس النقابة بتكليف جهة متخصّصة بإجراء تدقيق مالي، ورفع تقريرها إلى المحامين بغية الاستحصال على براءة ذمّة للمجلسين السابقين، عملاً بالنظام المالي الذي يُحدّد آلية الصرف وفق القاعدة الاثني عشريّة، خشية أن يُصار إلى حجب الأصوات عن البيان المالي في الجلسة المقبلة، كما حصل السنة الماضية.
لكنّ خصوم مصري يتهمونه بأنه حاول «تنييم» هذه المُطالبات على مدى الأشهر الماضية، قبل إدراجها على جدول أعمال المجلس في أيّار الماضي، واستقدام مدقّق ليشرح للأعضاء «صعوبة إجراء تدقيق في موازنة عام 2023»، وهو ما لم يقنع الأعضاء، كما أنّ المُدقّق «مقرّب من حزب الكتائب، ما يُثير الشكوك بإمكانيّة أن تطغى الحسابات السياسيّة على شفافيّة أرقامه»، وفق أحد أعضاء المجلس. لذلك، اقترح أمين الصندوق المالي، جورج يزبك، استدعاء نقيب خُبراء المحاسبة المُجازين في لبنان، إيلي عبّود، للاستماع إلى شرح منه حول البيانات المالية.
وبعد تعيين لجنة لمتابعة الملف، مؤلّفة من الأعضاء عبدو لحود وجورج يزبك وسعد الدين الخطيب، رفع هؤلاء تقريراً إلى مصري متضمّناً موافقتهم بالإجماع على تكليف عبّود. وهو ما لم يستسغه فريق النقيب، لأن «عبّود محسوب على القوات اللبنانية، كما أنّ كلفة تكليفه بالتدقيق المالي (30 ألف دولار) أعلى بكثير ممّا طالب به المُدقّق الأول (18 ألف دولار)».
ورغم اختيار عبّود بالأكثريّة (7 أعضاء من أصل 11 وتغيّب أحد الأعضاء) خلال جلسة المجلس، لم يتسلم الحسابات الماليّة لإنجاز مهمته قبل انعقاد الجمعيّة العموميّة بسبب «تعنّت مصري وفريقه» بحسب المقرّبين من القوات في المجلس، معتبرين أنّ «تعطيل مصري قرار التكليف يُعد خرقاً للمادة 22 من نظام تنظيم مهنة المحاماة التي تنص على أنّ النقيب مُكلّف بتنفيذ قرارات مجلس النقابة»، إضافة إلى المادّة 60 من قانون تنظيم المهنة.
لذلك، أصرّ الفريق، الذي يُطالب بتعيين عبّود على إعادة طرح المسألة في جلسة المجلس الأخيرة التي عُقدت قبل أيّام، وتصديق مقرّرات الجلسة السابقة ليتمكّن المدقّق من مباشرة عمله، إلّا أنّ اختلاف وجهات النّظر بين النقيب والأعضاء أفضى إلى مُشادّات كلاميّة، قبل أن يصوّت 7 من أصل 12 على المُصادقة على القرارات. ومع ذلك، يُؤكّد عدد من الأعضاء أنّهم سمعوا كلاماً من مصري يشير إلى رفضه توقيع كتاب المهمّة الخاص بعبّود، ما سيُؤدي إلى إشكالٍ جديد!
في المقابل، ينفي الفريق المقرّب من النقيب أن تكون هناك خلافات من أي نوع بشأن تكليف المدقّق المالي، مشدّدين على أنّ «النقيب يحترم القانون والنظام الدّاخلي، وتسلّم عبود الملفات هو مسألة وقت، ولا اعتراض من جانب النقيب بهذا الشأن».
التحضير للانتخابات
في المحصّلة، تزداد حماوة النزاع بين الطّرفين مع بدء الأحزاب والمستقلين داخل النقابة بتحضير معركة انتخاب 4 أعضاء إلى مجلس النقابة في تشرين الثاني المقبل ليحلّوا مكان 4 أعضاء، هم: النقيب السابق ناضر كسبار ومايا شهاب وإسكندر الياس ووجيه مسعد، في ظل «زحمة مرشّحين». فقد رشّح حزب «القوّات» إيلي حشاش الذي يحظى بحيثيّة داخل النقابة، وتبنّى «الكتائب» ترشيح رولان غصن، من دون أن يحسم التيار الوطني الحر أمره بعد، إضافةً إلى عدد من المرشحين المسيحيين المستقلين المدعومين من النقباء السابقين كمروان نُهاد جبر وهادي فرنسيس ونجا ثابت (المدعوم من الكتلة الوطنية والنقيب السابق ملحم خلف).
أمّا على مستوى الأحزاب الإسلاميّة والتي تتخوّف من عدم إمكانيّة دخولها هذه المرّة أيضاً إلى المجلس المكوّن بغالبيّته من أعضاء مسيحيين، فقد أعلن تيّار المستقبل تبنّي ترشيح عمر الكوش، فيما يتخوّف البعض أن تتوزّع «الأصوات الزرقاء» بينه وبين عضو مجلس النقابة الحاليّة مايا شهاب، التي تحظى بدعمٍ من النقباء السابقين. ويدعم حزب الله وحركة أمل المرشح شوقي شريم، مع وجود عدد من المرشحين الشيعة المستقلّين كوسام عيد وسهى بلوط الأسعد وحسين سنّان. في المقابل، لم يُظهر الحزب التقدمي الاشتراكي حماسته لهذه المعركة، ورغم اقتراب المرشّح زياد حمادة من «المختارة»، إلا أنّ التبني الرسمي للأخير لم يصدر بعد. ومن المنتظر مع اقتراب موعد الانتخابات، أن تتضح التحالفات السياسيّة بين الأحزاب والمستقلّين والنقباء السابقين.