المسيحيون و”إسرائيل”.. حساب طويل

| عبد الله ريشا |

إذا تعمّقنا في التاريخ واللاهوت ومجريات الأحداث في لبنان وفلسطين والشرق الأوسط بشكل عام نرى أن المشكلة الأكبر هي بين إسرائيل والمسيحيين وليس أي طائفة أخرى، هذا إذا اعتمدنا معاينة طائفية, تبدأ بالتباعد التاريخي وإشكالية الصلب، من قبل أعلى هيئة روحية يهودية، وكل ما تلى ذلك من مداخلات مع الهيئات الكنسية والفاتيكان، وصولاً إلى النكبة عام 1948 وكل ما لحقها من ارتدادات… الاعتداءات الحديثة على حقوق الكنائس في القدس بمحاولة إسرائيل سن تشريعات وإجراءات ضريبية جديدة…على حد ما جاء في رسالة ائتلاف المؤسسات المسيحية في فلسطين.

معاينة أخرى من الأراضي المقدسة، هذه المرّة من رسالة رئيس اللجنة الرئاسية للشؤون الكنسية في فلسطين حنا عميرة.

هنا يقول… القدس حاضنة للديانات الثلاثة، ومتى يسيطر عليها لون واحد على حساب الآخرين، فإن طبول الحرب تُقرع…

لم يقبل المسيحيون يوماً بعقيدة شعب الله المختار وأرض الميعاد، وبحسب المطران سيريل سالم بوستروس، أسقف نيوتن في الولايات المتحدة،الذي أعلن من الفاتيكان… أنه لا يمكن لإسرائيل الاستناد إلى مصطلح الأرض الموعودة لتبرير عودة اليهود وترحيل الفلسطينيين… ويضيف رئيس الكنيسة اليونانية الملكية في لجنة سينودس والشرق الأوسط خلال مؤتمر صحفي….. بالنسبة إلينا، لا يمكننا بعد الآن الحديث عن الأرض الموعودة للشعب اليهودي الوارد في العهد القديم، لأن هذا الوعد قد أُلغي بحضور المسيح،بعد مجيء يسوع، فالأرض الموعودة هي ملكوت الله الذي يشمل جميع أنحاء الأرض ويكون ملكوت السلام والمحبة.لم يعد هناك شعب مفضل، فجميع الرجال والنساء من جميع البلدان أصبحوا الشعب المختار… أضاف البطريرك.

نعم، إنها عقيدة مسيحية دينية وفلسفية وذات أبعاد سياسية لبنانية، أبعاد تعتبر أن طرد المسيحيين من الأراضي المقدسة من خلال الهاجانا والشتيرن والجيش الإسرائيلي، ومن العراق وسوريا عبر داعش والنصرة، ومن أطراف الجغرافيا اللبنانية أثناء الحرب الأهلية وتسييجهم في جبل لبنان، هو مقدمة لاقتلاعهم نهائياً من خلال صراع أمني وعسكري وسياسي مع الكنتونات الملاصقة،أكانت سنية أو شيعية أو درزية، أليست غزة كانتونا والغلاف كانتون مواجه؟ من فوائد 7 أكتوبر، أنها رسمت ما يمكن أن تؤول إليه علاقات الكنتونات المجاورة،مهما احتوت الجدران الفاصلة من تقنيات إلكترونية دفاعية عصرية، فالأحقاد الكامنة في القلوب سوف تجد سبيلاً لاختراق الحدود إذا ما كانت مسارات التقسيم حافلة بالمواجهات والتحدي والمجازر المفتقدة للرحمة.

من الخطأ التسليم مع الوقت أن بيروت هي عاصمة المشرقية المسيحية؛ فالقدس هي العاصمة كما يراها الإكليريون وكذلك القادة السياسيون، من هنا أتت رسالة بيار الجميل إلى هنري كيسنجر عام 1974.

يقترح فيها إنشاء دولة واحدة في فلسطين وليس دولتين تتعايش فيها الديانات الثلاثة،على غرار النموذج اللبناني، هذه هي استراتيجية حماية جبل لبنان أو مسيحيي لبنان، فالدفاع عن أسوارهم الجغرافية يبدأ في القدس وبيت لحم، وليس في جسر المدفون وكفرشيما، فهنا يسقط المسيحيون ويعدون سنواتهم بل أسابيعهم المتبقية. ولهذا أسقطت الفدرالية على أبواب دير سيدّة البير من قبل المسيحي الأقوى في الجبهة اللبنانية، هذا في زمن القوة الحقيقية الديمغرافية والاقتصادية والعسكرية والسياسية.

تظلمون المسيحيين حين تتهمونهم بالانحياز انطلاقاً من كتاب “المتاهة اللبنانية” لرؤوف أرليخ الذي لم يوفر طائفة مُسنِداً إليها التعاطي إلى حد التعامل مع الإسرائيليين. هذا إذا سلمنا بصحة الوثائق، فحساب المسيحيين مع إسرائيل طويل ومعقد، ففي معاينة تأثير دخولهم العسكري إلى لبنان، نستخلص نتائج مقلقة، في المحصلة خسر المسيحيون الجغرافيا في الشوف وصيدا وتهجروا من عشرات القرى، وخسروا قائدهم العسكري والسياسي باغتيال بشير عام 1982.

حكايات الانهيارات التاريخية حصلت أثناء الوجود العسكري الإسرائيلي في لبنان، هذه هي نتائج دخولهم وانسحابهم الملتبس.

يبدأ الحساب من هجرة الفلسطينيين إلى لبنان بعد النكبة وبعد حرب 1967.مروراً بمشروع التوطين، الوجه الآخر لمشروع منع حق العودة من قبل الاسرائيليين، ولأجل هذا المنع، سقط آلاف الشهداء من 1975 إلى موعد نهاية الحرب.

هنا تكمن قضية المسيحيين المركزية بتعلقهم بدينهم وقيمهم وأرضهم ووجودهم، وبعد المعاينة المركزة تصبح جردة الحساب طويلة بينهم و بين اسرائيل.