| جوزيف ديب |
في أعقاب الأزمة الاقتصادية العميقة التي اجتاحت لبنان منذ 17 تشرين الأول 2019، برز موظفو القطاع العام والمؤسسات الرسمية كعامل حيوي وحاسم في الحفاظ على استقرار الدولة. هؤلاء الموظفون، الذين غالباً ما يُغفل دورهم في تحليل الأداء الاقتصادي، كانوا بمثابة العمود الفقري للاقتصاد الوطني في وقت كان يعاني فيه البلد من تضخم مفرط، انهيار العملة، ونقص حاد في السلع والخدمات الأساسية. تأثيرهم الاقتصادي لم يكن محدوداً فقط بتقديم الخدمات العامة، بل امتد ليشمل الحفاظ على مستوى من الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي الذي لا غنى عنه.
من الناحية الاقتصادية، يلعب موظفو القطاع العام دوراً محورياً في دعم الطلب المحلي. رغم تراجع قيمة رواتبهم بشكل كبير بفعل التضخم وانهيار سعر الصرف، ظلوا جزءاً أساسياً من حركة الاستهلاك في الاقتصاد. إن رواتبهم، حتى وإن تآكلت قيمتها الشرائية، لا تزال تضخ أموالاً في السوق من خلال الإنفاق اليومي على السلع والخدمات الأساسية.
هذا التدفق النقدي يسهم في الحفاظ على نوع من التوازن في الاقتصاد، حيث يتم تعزيز الطلب المحلي، وهو عنصر أساسي في منع المزيد من التدهور الاقتصادي.
إلى جانب دورهم في دعم الطلب المحلي، يسهم موظفو القطاع العام في الحفاظ على البنية التحتية للخدمات الحكومية. في وقت يعاني فيه القطاع الخاص من تقلص كبير، كان استمرار تقديم الخدمات الحكومية بمثابة دعم غير مباشر للنشاط الاقتصادي.
على سبيل المثال، استمرار عمل المؤسسات التي تصدر التراخيص والوثائق الرسمية يسهم في تسهيل العمليات التجارية، والإشراف على النظام التعليمي والصحي يضمن نوعاً من الاستقرار الاجتماعي. هذا النوع من البنية التحتية الاقتصادية لا يُقدر بثمن، إذ يمثل الإطار الأساسي الذي يمكن من خلاله إعادة بناء الاقتصاد على أسس سليمة.
ورغم أن القطاع العام لا يشهد حالياً توظيفاً جديداً بسبب قيود الميزانية والضغوط المالية، فإن تأثيره الاقتصادي لا يزال كبيراً. بينما يقتصر التوظيف الجديد في القطاع العام على حدوده بسبب الأزمات المالية، فإن الحفاظ على الموظفين الحاليين له قيمة اقتصادية مهمة.
هؤلاء الموظفون لا يقتصر دورهم على تنفيذ مهامهم الوظيفية فحسب، بل يساهمون أيضاً في استقرار السوق من خلال استمرارية استهلاكهم وإنفاقهم. عدم التوظيف الجديد لا يعني غياب التأثير الاقتصادي للقطاع العام، بل يبرز أهمية وجود موظفين مستمرين في ظل الأزمات.
ومع تفاقم أزمة المحروقات، تضاعفت التحديات التي تواجه هؤلاء الموظفين. ارتفاع تكلفة النقل أدى إلى تقليص أيام العمل، مما أثّر على الإنتاجية في القطاع العام، لكنه لم يُنهِ دوره الحيوي. بالرغم من تقليص ساعات العمل، استمر الموظفون في الحفاظ على تقديم الخدمات الأساسية، مما منع انهيار كامل في الأداء الحكومي. هذه التضحيات تبرز أهمية الدور الذي يلعبه موظفو القطاع العام في الحفاظ على الدورة الاقتصادية والاجتماعية.
الضغوط النفسية والاجتماعية التي تحملها موظفو القطاع العام، في ظل تدني الأجور وارتفاع تكاليف المعيشة، لم تقلل من التزامهم الوطني. في الواقع، إن صمودهم يعكس دورهم الاقتصادي الحيوي كداعم لاستقرار المجتمع. إن استمرار تقديم الخدمات الحيوية في ظل هذه الظروف الصعبة هو شهادة على قوة هذا القطاع ومساهمته الاقتصادية.
لبنان يدين لهؤلاء الموظفين بالكثير. فبفضل عملهم الجبار، استمرت الدولة في الوقوف على قدميها رغم الأزمات المتلاحقة. إن تأثيرهم الاقتصادي يتجاوز مجرد تقديم الخدمات الحكومية؛ فهم الركيزة التي يعتمد عليها الاقتصاد الوطني في أدق أوقاته. يستحق كل موظف منهم وساماً على صدره، لأن مساهماتهم ليست فقط ما أبقى لبنان واقفاً، بل ما سيعتمد عليه في تعافيه الاقتصادي المستقبلي.