غبار مخيف في خريف الولاية! 

| جورج علم |

الأشهر الباقية من ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن بالغة الخطورة. تحاول “إسرائيل”، قبل كانون الثاني المقبل، موعد تسلّم الرئيس المنتخب مهامه الدستوريّة، أن تحقق بنك أهدافها عن طريق القوّة، غير عابئة بالمخارج الدبلوماسيّة.

تحاول إيران إستكشاف معالم المرحلة قبل إعتماد أي مسار يحمي مصالحها، ويحقّق طموحاتها الإقتصاديّة، الأمنيّة، السياسيّة، الإستراتيجيّة. إنها منشغلة في الداخل بورشة المكاشفة والمصارحة حول الواقع القائم، وما يفترض أن يكون عليه في المستقبل، وكيفيّة التوفيق ما بين الإمكانات والطموحات.

إنها على مستوى الخارج تتريث، وتنتظر مسار التطورات في الشرق الأوسط، والمتغيّيرات المتسارعة، ومسار الأحداث في أوكرانيا، ومسار الإنتخابات في الولايات المتحدة، وأرقام الإستطلاعات التي تعكس ملامح الرئيس المحتمل. لدى الرئيس الإصلاحي متسع من الوقت لإكتشاف البحر، وتقلبات الريح، قبل أن يدفع بمركبه وسط اليم.

وتحاول روسيا إثبات الدور، والحضور، والفعاليّة على الخريطة العالميّة. إنها إلى طاولة الحوار، سواء في الدوحة أو القاهرة، تعبّر عن وجهة نظرها غيابيّاً، ممثلة بـ”حماس”، والفصائل الفلسطينيّة الأخرى. لن تترك الميدان للرئيس جو بايدن كي يفرض مواصفاته حول اليوم التالي في غزّة. إنها إلى طاولة منظمة “أوبيك +” تهندس السياسة النفطية أسعاراً، وإستهلاكاً. إنها إلى الطاولة في مواجهة حلف (الناتو) تقرأ شهادات حسن السلوك. الأشهر المتبقية من الولاية “البايدنيّة”، بالغة الحساسيّة، وتشكل مساحة واسعة لتسديد الحسابات.

تؤكد موسكو، هذه الأيام، أن القوات الروسيّة ما زالت تتقدّم داخل منطقة دونيتسك الأوكرانيّة. فيما تؤكد كييف بأن القوات الأوكرانيّة تتقدّم في الأراضي الروسيّة، في منطقة كورسك على الحدود الشماليّة الشرقيّة.

معادلة صعبة، ومثيرة للتساؤلات، هل هي من نتاج زيارة وزير خارجيّة الأوكراني دميترو كوليبا إلى الصين في 23 تموز الماضي لمناقشة حلول سلميّة للنزاع، أم “دفرسوار” إستخباراتي متقن لخلط أوراق التحالفات الأوكرانيّة على أبواب الإنتخابات الأميركيّة؟!

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلنسكي قال لشبكة “سي أن أن” إنه يريد مخارج. ويضيف: إن أوكرانيا “تزداد قوّة” في منطقة كورسك الروسيّة، وإن الهدف تحقيق شيء من التوازن. يريد من التوغل إمتلاك أوراق تفاوضيّة، قبل أن تصبح الطاولة جاهزة للنقاش.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مجروح. يريد إستعادة الهيبة، والمهابة، والإعتبار. أركان حربه يتحدثون عن “كماشة” قد تطبق يوماً على القوات المتغلغلة بالجيب الروسي، والتشهير بالعتاد الحربي الأميركي ـ الغربي. لا يستطيع إحتمال الخسارة، ولا بلاده تستطيع، والأشهر المتبقيّة من ولاية بايدن، يستغلها لترجيح كفّة ميزانه مع “الناتو”، حتى ولو أصبح العالم على مقربة من غبار نووي ينبعث من مفاعلات أوكرانيا؟

إقتحمت القوات الأوكرانيّة الحدود إلى منطقة كورسك الروسيّة صبيحة السادس من الجاري، وتقدمت منذ ذلك الحين بشكل كبير، مما أجبر موسكو على إجلاء ما يربو على 200 الف شخص من منازلهم.

ونقلت وكالة “ريا نوفوستي” الروسيّة عن النائب ميخائيل شريميت قوله: ” بالنظر إلى وجود عتاد عسكري غربي، مع إستخدام ذخيرة وصواريخ غربيّة في الهجمات على البنية التحتيّة المدنيّة، فضلاً عن الدليل الدامغ في مشاركة أجانب في الهجوم على الأراضي الروسيّة، فإنه يمكن أن نستنتج أن العالم على شفا حرب عالميّة ثالثة”.

وأضاف شريميت، وهو عضو في لجنة الدفاع بالبرلمان الروسي: “إن دول حلف (الناتو) أعطت الضوء الأخضر لتنفيذ خطط التوغّل”. وهو إتهام نفته الولايات المتحدة. كما إتهم نيكولاي باتروشيف، مساعد الرئيس بوتين، الغرب بالوقوف وراء الهجوم. وقال لصحيفة “إزفيستيا” الروسيّة “إن حلف شمال الأطلسي، وأجهزة الإستخبارات الغربيّة ضالعة في التخطيط لعمليّة كروسك”.

الميدان يتحرّك وينطوي على مفاجآت صادمة. والدبلوماسيّة تتحرّك، لكن الإدارة الأميركيّة في خريف العمر، تحاول، ولا تستطيع، فرض النفوذ، لا في أوكرانيا، ولا في الشرق الأوسط، والأشهر المتبقية من العام الحالي ستكون حبلى بالمفاجأت، وتسديد الحسابات.

قد لا يذهب بوتين إلى مواجهة مباشرة مع حلف “الناتو”، لكنه يفرّع جبهة أوكرانيا إلى داخل كل دولة من دول الحلف. الولايات المتحدة تتهيب الموقف، يقلقها غضب القيصر، تخشى من غزو روسي سيبراني يستهدف الإنتخابات الرئاسيّة، ويقلب الأرقام والتوازنات، فتأتي النتائج مغايرة لتلك المتوقعة، ويحصل إنقلاب من دون عسكر، وبقفازات حريريّة. ألمانيا تتخوف من حرب روسيّة باردة ضدها. إكتشفت ثقوباً غامضة في أسوار قاعدة عسكريّة، تتحدث عن مؤامرة لإغتيال رئيس شركة “راينميتال”، أكبر شركة مصنّعة للأسلحة في ألمانيا، ويحصل ذلك بعد فضيحة التنصت على الجيش، فيما أصبع الإتهام بإتجاه واحد، موسكو! فرنسا تلوذ بالصمت بإنتظار ولادة حكومة جديدة قد لا تحمل بيدق القتال ضد روسيا في أوكرانيا. بريطانيا غارقة بفوضى عارمة، مظاهرات في الشارع ضد التمييز العنصري، مدفوعة بأسباب إقتصاديّة ـ إجتماعيّة ـ معيشيّة صعبة، فيما تسعى الحكومة العمّالية إلى معالجات من نوع الإسعافات الأوليّة، بإنتظار أن يمرّ القطار الأميركي لمعرفة من سيكون في مقصورة القيادة، العابس دونالد ترامب، أم السيدة الضاحكة كامالا هاربس؟

ويبقى السؤال: أي غبار قد يغزو خريف الولاية الهرمة في البيت الأبيض، ويزحف من أجواء أوكرانيا إلى الشرق الأوسط؟ وهل أن إدارة بايدن لا تزال قادرة على هزّ العصا، وفرض التسويات؟